تعود هذه الأيام، ذكرى رحيل المسرحي الكبير عبد القادر علولة الذي اغتالته أيادي الغدر في مثل هذا اليوم من عام 1994، رحل لكن تراثه بقي مدرسة مسرحية جزائرية انتشرت تجربتها عبر الحدود والأصقاع. ترك الراحل علولة أثرا من خلال تطويره لمسرح «الحلقة»، واستطاع بذكاء دمج تراثنا الشعبي في روائعه، ساعده في ذلك ذكاؤه وبراعته، كما برزت قدرته في الكتابة الدرامية والإخراج. لقد كان علولة السباق رفقة الراحل كاكي في إدخال شخصية «المداح» أو «الڤوال» إلى المسرح، من خلال ما عرف ب «الحلقة»، وتوجه الڤوال إلى الجمهور بنظرة اجتماعية ناقدة وساخرة جعلته في الريادة، واعتمد العرض عند علولة على الارتجال والفرجة ضمن حيز شعبوي حميمي مستوحى من الشعر الملحون ومن الأقوال المأثورة. في سنة 1972، تسلم الراحل علولة إدارة المسرح الجهوي لوهران، الأمر الذي جعله ينفتح على المزيد من التجارب، منها إسقاطاته لرؤى المسرحي الألماني الشهير «برتولد بريشت»، ونظريته الخاصة بكسر التباعد وتحطيم الجدار الرابع، كما اهتم علولة بالعمل الجماعي الذي جسده في التأليف والإخراج. أسس الراحل التعاونية المسرحية «الفاتح ماي» التي عمل من خلالها على تحرير المسرح الجزائري من القوالب وتقاليد الفكر المسرحي الغربي، ونحج بامتياز في تحقيق المعادلة الصعبة بين التراث المسرحي العالمي والتراث الشعبي الجزائري. عمل علولة من خلال الكتابة، التمثيل والإخراج على تطوير المسرح الشعبي، كما عمل مع الشركات والمدارس وحوّل الجمهور إلى عنصر يتفاعل مباشرة مع العرض. علاقة علولة بالمسرح تطورت وأصبحت أكثر متانة، بفضل احتكاكه بواقعه الحي ودخول عروضه إلى كل الفضاءات من مدارس، مصانع، مقاه وساحات عامة، إلى أن وصل من خلال هذه التجربة إلى كسر الأنماط الكلاسيكية، ليتخلى تدريجيا عن الديكور والاكتفاء فقط بالأكسسوارات الضرورية، المدهش حينها أن عملية تغيير ملابس الفنانين مثلا، تتم أمام الجمهور، وكذلك استراحتهم، كلها مظاهر استوحاها من تراث الحلقة، وهذا ما خلق فرجة أخرى لا تقل متعة. استفاد الراحل علولة أيضا من الجمهور ليحتك بالكادحين وعموم الفئات الشعبية، خاصة أن الجزائر تمتلك تراثا قصصيا زاخرا بصيغة مسرحية وخيال مسرحي وفهم متميز للشخوص ومتطلبات المشاهد وعناصر البناء المسرحي، ومن أشهر مسرحيات علولة؛ «مونودرام»، «حمق سليم»، «ثلاثية الڤوال»، «الأجواد»، «اللثام»، «التفاح» و»العملاق» التي لم تكتمل، إذ اغتيل الراحل وهو يحضرها. لم يقتصر حضور علولة على الفن الرابع، بل كانت له تجارب سينمائية وتلفزيونية رائعة، علما أنه كتب النصوص والسيناريوهات، كما حول نصوص بعض المؤلفين الجزائريين والأجانب إلى أفلام. هذا العملاق أسس لمسرح جزائري خالص لاقى صداه في الساحة العالمية، كما خلق لغة مسرحية مميزة، تراثه لم يمت معه، بل لايزال محل بحث واقتباس وإنتاج، لأنه أصبح مدرسة مسرحية قائمة بذاتها. للتذكير، فإن علولة من مواليد 1939 بالغزوات، درس الدراما في فرنسا، ساهم في تأسيس المسرح الوطني عقب الاستقلال سنة 1963. في سنة 1999، تم إنشاء مؤسسة «عبد القادر علولة» التي تعمل على دعم المشاريع الإبداعية للفرق المسرحية الشابة، مع وضع الرصيد الوثائقي الذي تتوفر عليه في متناول الباحثين، ولهذا الغرض، أنشأت مركزا للتوثيق والأرشيف يضم أزيد من 800 كتاب متخصص في المسرح والفنون والثقافة، إلى جانب رصيد سمعي بصري حول تجارب الراحل.