حصل الملك المغربي، محمد السادس، على ما كان ينتظره من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بخصوص النزاع في الصحراء الغربية، عندما طمأنه بأنّ مقترح الحكم الذاتي يبقى أهم خيار على الطاولة لإنهاء هذا النزاع القائم منذ أربعين عاما. وابتهج العاهل المغربي والمخزن وكل وسائل الإعلام التي حيت موقفا "تاريخيا" لقوة عظمى بحجم فرنسا من قضية استعادة السيادة على الأقاليم الجنوبية. وكان الرئيس الفرنسي مدركا لحاجة الملك المغربي لتصريح على المقاس يومين بعد انتهاء جولة الموفد الخاص الأممي إلى المنطقة، وكان له ما أراد وخاصة وأنه كان في حاجة ماسة إلى دعم ولو معنوي لشخصه ولدبلوماسية بلاده التي لم تجد ما يبرر التمسك بموقف لم يعد يلقى الإجماع إلاّ في الرباط وباريس. ولم يقتصر الابتهاج على الملك وحاشيته، بل شمل أيضا عبد الإله بنكيران الوزير الأول المغربي الذي وقف مصفقا وعلامات الارتياح بادية على ملامحه، لتصريح الرئيس الفرنسي الذي قال أمام نواب غرفتي البرلمان المغربي، إنّ فكرة الحكم الذاتي تبقى أهم مقترح عملي في الوقت الراهن لإنهاء نزاع الصحراء الغربية. والمفارقة، أن بنكيران "الإسلامي" الذي يكره فرنسا فاجأ الجميع عندما وقف مصفقا لموقف الرئيس الفرنسي ولم يشأ الجلوس حتى جلس كل الحضور في قاعة البرلمان المغربي، وكأنه كان يريد أن يقول له لقد أرحتنا. وإذا كان موقف فرنسا ليس جديدا بخصوص هذه القضية، فإنه حمل تناقضا جوهريا، فهو من جهة يؤكد على وقوف فرنسا مع اللوائح الأممية التي تصر على حل تفاوضي يقبله طرفا النزاع، ولكنه في نفس الوقت يؤكد على فكرة الحكم الذاتي التي تتناقض من حيث مبدئها مع اللوائح الأممية في هذا الشأن. وقد تأكد نهاية الأسبوع، أن الرئيس هولاند حرص على عدم الخوض طويلا في قضية شائكة بحجم قضية النزاع في الصحراء الغربية، مفضلا لغة "النفاق الدبلوماسي" حفاظا على مصالح بلاده الإستراتيجية في منطقة مغاربية، تعتبرها باريس متنفسا حيويا لاقتصادها. ولو كانت فرنسا صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، تعتقد فعلا أن الحكم الذاتي يبقى أساسا لتسوية النزاع، لما تأخرت لحظة في رفع هذا الحق في وجه اللوائح الأممية الأخرى التي تصر في كل مرة على تقرير مصير الشعب الصحراوي عبر استفتاء حر وعادل. والأكثر من ذلك، فإن هذه الفكرة لو أنها لاقت التأييد الدولي كما يزعم المخزن المغربي، فإن الأممالمتحدة ما كانت لتواصل مهمة البحث عن حل نهائي لنزاع أكدت في العديد من المرات أنها لن تواصل ضخ مزيد من الأموال للإشراف عليه. ولكن الرباط ترفض رؤية هذه الحقيقة والتعامل معها كما هي، بينما تواصل فرنسا التعاطي الإيجابي معها، لأنها فكرة سبق وأن سوقتها للملك الراحل الحسن الثاني قبل عقود، ولكنه تراجع عنها بعد أن تأكد أنها لن تجد نفعا في ضم إقليم ما انفكت المجموعة الدولية تؤكد أنه إقليم محتل ويجب أن يحصل على استقلاله تماما كما حدث في تيمور الشرقية قبل سنوات. إلا أن الملك محمد السادس، التفف فكرة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وأعاد تلميع الفكرة وسوقها، بعد أن سدّت الأبواب أمام دبلوماسية مغربية ووجدت نفسها أمام طريق مسدود ولم تستطع الدفاع عن ادعاءاتها بمغربية الصحراء الغربية. ويبدو أن الرئيس الفرنسي وجد هو الآخر نفسه عاجزا في الدفاع عن هذه الفكرة، وراح يعيد نفس العبارات التي قالها الموفد الخاص الأممي إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس، الذي شدد في محطات جولته إلى المنطقة، أن الوضع خطير بما يستدعي إيجاد مخرج لأزمة مرشحة لأن تعرف تعقيدا قادما، على خلفية الأحداث التي تعيشها دولة مالي وكل منطقة الساحل. ومعضلة الدبلوماسية الفرنسية أنها وقعت بين نقيضين متنافرين، فهي من جهة تريد الاحتفاظ بمصالحها الضخمة في المغرب وكل المنطقة، ومن جهة أخرى لا تستطيع تغليب موقف المملكة لحسم نزاع أنهكها ماليا وعسكريا ولم يعد اقتصادها يتحمل تبعاته. وسر هذا العجز، أنها تجاهلت حقيقة قائمة ولا يمكن لأية جهة مهما كانت قوتها العسكرية والاقتصادية طمسها هكذا، من خلال تصريح منمق يتنكر لحقيقة وجود شعب صحراوي يصر على تقرير مصيره، وما عدا ذلك فإن باريس والرباط تتعاملان بمنطق النعامة مع حق مقدس.