ووري الثرى، يوم الخميس، بمقبرة القطار بالجزائر العاصمة، جثمان الفقيد مصطفى تومي بحضور جمع من الفنانين وعائلة وأصدقاء ومحبي الفقيد. وبدت علامات التأثر والأسى لرحيل الفنان بادية على وجوه الفنانين الحاضرين على غرار مصطفى سحنون ومحمد العماري وفوزي صايشي وغيرهم، حيث أشادوا في تصريحاتهم بفنه الراقي واحترافيته وأيضا بنضاله إبان الثورة التحريرية، مؤكدين في نفس الوقت على أن أعماله ”ستبقى خالدة”. يرحل المجاهد الشاعر مصطفى تومي، أحد طيور الجزائر النادرة، الذي كثيرا ما غنى أماسيها ولياليها بكلمات تتفجر حكمة وتجربة، وبقصائد عكست بكل صدق أنفة الشخصية الجزائرية المتعمقة الجذور، فكان ابن القصبة المتعطش للحرية والمجاهد الذي لم يجاهد ببذل النفس، بل أيضا بالكلمة الصادقة التي ظلت ترسم لنا الحرية والعزة والكرامة، وأشرف مصطفى تومي الذي شيع أول أمس من قصر الثقافة إلى مثواه الأخير بحضور وزيرة الثقافة ووزير الاتصال ورفقاء وأصدقاء وعائلة الراحل بعد كلمات توديعية.اكتظ رواق قصر الثقافة بالمشيعين للمرحوم مصطفى تومي، حيث ارتفعت في أرجائه آيات من الذكر الحكيم بعد أن جيء بجثمانه محمولا على أكتاف رجال الحماية المدنية مغطى بالعلم الوطني. ووسط جو يسوده الحزن وضع جثمان الراحل لتلقى عليه النظرة الأخيرة من ذويه وعائلته وأصدقائه وأبناء مدينته العتيقة القصبة التي ودعت فيه عندليبا من عنادلها الذين أحبتهم وأحبوها، وحفظت وحفظوها، فكان الابن الذي ورث منها الشخصية الجزائرية في جميع أبعادها التاريخية والإنسانية والجمالية فمثلها في أشعاره أحسن تمثيل، الحكمة والنيف والشرف والصبر وحب الحرية والتضحية في سبيلها. تقدم هذا الجو المحزن كل من السيد سليمان حاشي ليلقي كلمة باللغة الفرنسية منوها بخصال الفقيد ومناقبه وآثاره الجهادية والشعرية. وبعده ألقى الشاعر ياسين أبو عابد كلمة صادقة فائضة من وجدانه عبر من خلالها عن الروابط التي ربطته بالراحل مصطفى تومي، مذكرا الحاضرين بأنه من بيت جمع بين الثورة والحكمة والتاريخ بباب الجديد بالقصبة، حيث كان مركزا لاجتماعات حزب الشعب والمنظمة الخاصة، والتحق بالثورة في 1954 وصعد إلى الجبل بالناحية الخامسة، وبعد الاستقلال عاد إلى المدرسة. عمل في وزارة الاتصال وفيها كتب قصيدته الشهيرة ”سبحان الله بالطيف أنت اللي تعلم” التي أداها الحاج محمد العنقا رحمهما الله. وكتب أيضا القصائد الوطنية لكبار المطربين مثل محمد العماري ومريم ماكيبا. أما الأستاذ عمر بن عيشة فقد ألقى كلمة تأبينية غلبته خلالها الدموع، مذكرا بهذا الموقف الذي لا يبقى لصاحبه إلا الاعمال والذكرى الطيبة، ودعا في الأخير للراحل راجيا من الله أن يسكنه فسيح جنانه ويلبس أهله حلل الصبر وسلوانه، وأن يتغمد فقيدهم برحمته وغفرانه. إنا لله وإنا إليه راجعون