يعود التنصيص على مبادرة التعديل الدستوري إلى أول دستور للجزائر المستقلة في سنة 1963، حيث ترجع المادة 71 منه المبادرة بالتعديل إلى كل من رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني، واستمر التنصيص على هذه المبادرة عبر مختلف الدساتير التي عرفتها الجزائر، وذلك لكون قواعدها هي مرآة عاكسة لمجموع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدولة، مما يمكن اللجوء إلى مراجعتها لتساير التطورات الحاصلة والتوجهات الكبرى التي تختارها السلطات العليا في البلاد، مثلما حصل مع دستور 8 سبتمبر 1963 الذي كرس التوجه الاشتراكي. فإذا كان المتعارف عليه أن سمة الثبات تشكل إحدى أهم الميزات الرئيسية للنصوص الدستورية، فإن ذلك حسب خبراء القانون والمشرعين لا يعني عدم قابلية هذه النصوص للتعديل وذلك لاعتبارين اثنين، يتعلق الأول بكون القواعد الدستورية توضع لمسايرة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الدولة، فيما يرتبط الثاني بمبدأ سيادة الشعب وحق هذا الأخير في إعادة تنظيم حياته العامة، وفقا لمقتضيات كل مرحلة والتطورات الحاصلة في العالم. ووفقا لهذه المقتضيات، فقد جاء أول دستور للجزائر بعد الاستقلال والذي تم اعتماده في 8 سبتمبر1963، ليكرس التوجه الاشتراكي للدولة، حيث يرى بعض الأساتذة في القانون الدستوري أن دستور 1963 يعتبر دستور برنامج، يغلب عليه الطابع الإيديولوجي على الجانب القانوني، مشيرين إلى أنه يكرس الاشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه، كما يحدد وسائل تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم، غير أنه ومع ذلك كله، تناول الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة بشكل واضح كما بين حقوق وحريات الأفراد ومجالاتها. وتبرز بعض الدراسات التي تناولت ظروف وضع هذا الدستور، بأن صياغته كان يفترض أن تكون من اختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية إيفيان، غير أن الرئيس الراحل أحمد بن بلة أوكل للمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني مهمة مناقشة وتقويم مشروع الدستور في جويلية 1963، وعرضه على المجلس التأسيسي للتصويت عليه، ثم تقديمه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر 1963، ليتم إصداره في 08 سبتمبر 1963. كما تبرر بعض الكتابات أسباب تخلف المجلس التأسيسي عن صياغة دستور1963 ببعض الخلافات التي وقعت بين المجلس والمكتب السياسي للأفلان، حيث تشير في هذا الإطار إلى أن المجلس التأسيسي الذي انتقلت إليه كل السلطات التي كانت بيد الهيئة التنفيذية المؤقتة ومؤسسات الثورة، والمتشكل من 196 نائبا، قام بمحاولات عديدة لإعداد مشروع الدستور، غير أن تلك المحاولات لم تتوج، بعد أن تبين للمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ولرئيس الحكومة، أن النقاش الدائر في المجلس لا يعبر عن مبادئ الثورة ومضمون برنامج ميثاق طرابلس التي تهدف إلى إرساء ديمقراطية شعبية، كما لا يستجيب لطموحات الشعب في العدالة الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى تكليف لجنة خاصة لإعداد مشروع الدستور، تم عرضه على ندوة وطنية للإطارات الحزبية، التي صادقت عليه يوم 31 جويلية 1963 في اجتماع بسينما “ماجيستيك”، قبل عرضه للمصادقة من قبل المجلس التأسيسي في 10 سبتمبر 1963 ثم على الاستفتاء الشعبي في 08 سبتمبر 1963، لينشر بتاريخ 10 سبتمبر 1963 في الجريدة الرسمية. وقد تم بناء النظام السياسي الجزائري في ظل دستور 8 سبتمبر1963 على أساس نظام جمهوري يرتكز على الديمقراطية الشعبية، حيث تمارس السلطة بموجبه من طرف الشعب الذي تتكون طليعته من المثقفين الثوريين والفلاحين والعمال، فيما تم إقرار النظام الاشتراكي أسلوبا لتنمية البلاد وترقية الشعب، مع حصر أداة هذا النظام في الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير الوطني “كحزب طلائعي يهتم بتحديد سياسة الأمة ويوجّه ويراقب مؤسسات الدولة. كما أقرّ دستور 1963 حقوق وحريات الأفراد من منظور التوجه الاشتراكي، وحدد ممارسة السيادة في البلاد من خلال ثلاث هيئات أساسية هي المجلس الوطني، السلطة التنفيذية، وجهاز العدالة، مع الإشارة إلى أن السلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية الذي ينتخب بالاقتراع العام ويجمع بين منصبي رئيس الجمهورية والحكومة، ويعتبر مسؤولا أمام المجلس الوطني. وأقرّ دستور1963 أيضا تأسيس المجلس الدستوري، حيث نص في مادته 63 على أنه “يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيس الغرفتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا، وثلاث نواب يعينهم المجلس الوطني الشعبي وعضو يعينه رئيس الجمهورية”. غير أن هذه الهيئة لم يتم تشكيلها لتمارس نشاطها، وذلك بسبب الأحداث التي عرفتها تلك الفترة وأدت إلى حالة من اللااستقرار في البلاد. ومما يعاب بكثرة على دستور 1963 حسب الملاحظين، هو كونه دستورا يكرس الأحادية، حيث ترسمت فيه معالم نظام يجمع السلطات في يد رئيس الدولة الذي يعتبر في الوقت نفسه رئيسا للوزراء، ورئيسا للحزب، وتجتمع كل السلطات في شخصه، ولذلك صاحبت عملية إرساء أول دستور للجزائر خلافات حادة بين قادة الثورة، الأمر الذي اختصر حياته في 23 يوما فقط، حيث جمده رئيس الجهورية الراحل أحمد بن بلة في 09 أكتوبر 1963 تطبيقا للمادة 59 من الدستور التي تنص على أنه “في حالة الخطر الوشيك الوقوع، يمكن لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير الاستثنائية لحماية استقلال الأمة والمؤسسات الجمهورية.. “، في حين تم وقف العمل بدستور 1963 وإلغائه بموجب الأمر 65/182 الصادر في 10 جويلية 1965، إثر إنقلاب 19 جوان 1965 الذي قاده الرئيس الراحل هواري بومدين.