الدستور الحالي هو خامس دستور في تاريخ الجزائر، فبعد الدستور الأول لبن بلة والدستور الثاني لبومدين والدستور الثالث للشاذلي، والدستور الرابع لزروال، جاء الدستور الخامس لبوتفليقة. منذ انتخابه في أفريل 1999 أظهر الرئيس بوتفليقة نيته في تعديل الدستور وأبدى تحفظات شديدة حول بعض مواده خاصة حول طبيعة النظام السياسي. ولكنه لم يقم بتعديله سوى في الشهر الماضي نوفمبر 2008 عن طريق البرلمان. و قبل هذا قام بتعديل خاص شمل الأمازيغية فقط وكان ذلك في أفريل 2002 عقب أزمة "العروش" والاضطرابات التي شملت منطقة القبائل لمدة تقارب ثلاث سنوات حيث جاء التعديل في المادة 3 مكرر بهذه الصيغة: "تمازيغت هي كذلك لغة وطنية تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية عبر التراب الوطني". ولم يتم إجراء استفتاء حول ذلك التعديل بل تم اعتماده بعد أخذ رأي المجلس الدستوري، ومصادقة البرلمان بغرفتيه. وقد سبق أن أضيفت الأمازيغية في ديباجة دستور 1996 بالصياغة التالية: "والمكونات الأساسية لهويتها يقصد الجزائر هي الإسلام والعروبة والأمازيغية..." . اشتراكية.. بن بلة ثم بومدين أول الدساتير هو الدستور الذي تم وضع في عهد الرئيس أحمد بن بلة والذي تم الاستفتاء عليه في 10 سبتمبر 1963. وقد كان الزخم الاشتراكي الذي كان يعم الدول التي استقلت حديثا واضحا في مواده ال 78 فعلى سبيل المثال أبرز بان ممارسة السلطة تكون من طرف الشعب الذي يؤلف طليعته الفلاحون والعمال والمثقفون الثوريون. وذكرت في مقدمة دستور 1963 عبارة "الجماهير الكادحة. ومن جهة ثانية خصص دستور بن بلة أهمية قصوى لجبهة التحرير الوطني وأفرد لها أربع مواد 23 و24 و25 و26 تنص الأولى على أن"جبهة التحرير الوطني هي حزب الطليعة الواحد في الجزائر "وتقر الثانية بأنها "تحدد سياسة الأمة، وتوحي بعمل الدولة وتراقب عمل المجلس الوطني والحكومة" وتسجل الثالثة على أنها "تشخص المطامح العميقة للجماهير وتهذبها وتنظمها وهي رائدها في تحقيق مطامحها". وتصل المادة الرابعة الى التأكيد بأن "جبهة التحرير الوطني تنجز أهداف الثورة الديمقراطية الشعبية، و تشيد الاشتراكية في الجزائر ". وامتدادا لهذا فان ذلك الدستور أعطى حق تعيين رئيس الجمهورية لجبهة التحرير الوطني حسب المادة 39. وظهر اهتمام دستور 1963 بالحريات الفردية والجماعية بشكل واضح حيث خصص لها مواد عديدة. كما برز في ذلك الدستور تعلق واضعيه بالنظام البرلماني من خلال المواد التي أعطت للبرلمان صلاحيات كبيرة وواسعة منها إمكانية سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وضرورة تعيين ثلثي وزراء الحكومة من نواب البرلمان. تم تعليق ذلك الدستور بعد انقلاب جوان 1965، ولم يتم الرجوع إلى الحياة الدستورية سوى بعد 11 سنة، حيث وضع الرئيس هواري بومدين دستوره، وهو الدستور الثاني الذي تم الاستفتاء عليه في 22 نوفمبر 1976 وكان أطول من الأول حيث بلغ عدد مواده 198 مادة. ومثل سابقه ثمن النهج الاشتراكي وأعطاه حيزا كبيرا في مواده وقد أحالت كثير من مواد ذلك الدستور الى بنود الميثاق الوطني الذي اعتبر المرجع الوحيد لتأويلها. كما كرس الدور الذي تقوم به جبهة التحرير الوطني من خلال اعتماده مبدأ توحيد القيادة الحزبية والتنفيذية للبلاد مؤكدا على أن رئيس الجبهة هو رئيس الجمهورية. وقد تعرض دستور1976 الى ثلاث تعديلات في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الأول والثاني تم التصويت عليهما في المجلس الشعبي الوطني. أما الثالث فتم بعد استفتاء، أولها كان مباشرة بعد وفاة بومدين في عام 1979عن طريق تصويت المجلس الشعبي الوطني، وتم في ذلك التعديل تخفيض مدة العهدة الرئاسية بعام واحد لتصبح 5 سنوات، ورفع من عدد نواب رئيس الجمهورية الى أكثر من واحد ، كما تم تكريس دور الجبهة في اختيار وتعيين رئيس الجمهورية، وأضيف بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية. أما التعديل الثاني فكان في 1980 بعد تصويت المجلس الشعبي الوطني وتم من خلاله انشاء مجلس محاسبة كلف بمراقبة مالية الدولة والحزب والمجموعات المحلية. في حين تم في التعديل الثالث الذي جرى بعد استفتاء 3 نوفمبر 1988 ونص على تعيين رئيس حكومة بدل وزير أول، منحت له صلاحيات حقيقية. ومقابل ذلك أضيفت بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية . انفتاح الشاذلي وأزمة التسعينيات أما الدستور الثالث فهو دستور فيفري 1989 الذي شكل منعطفا حاسما في مسار النظام السياسي الجزائري، حيث أقر الانفتاح السياسي والاقتصادي والإعلامي مقررا لتعددية الحزبية والإعلامية. وباعتماد النهج الليبرالي تم حذف كل الكلمات والإشارات الدالة على الاشتراكية. وقد تضمن دستور الرئيس الشاذلي بن جديد العبارات والألفاظ التي تشير إلى العهد الجديد مثل حرية المبادرة والفكر، وحرية التجارة والصناعة، وحق الملكية الفردية واكتساب الثروة. وكان دستور فيفري 1989 منعطفا كبيرا في السيستام السياسي الجزائري الذي خرج من النظام الشمولي الأحادي إلى النظام الديمقراطي التعددي، ولم تأت في ذلك الدستور أي مواد تخص الجبهة التي اعتبر حزبا كغيره من الأحزاب الأخرى وسحبت منه صلاحية اختيار رئيس الجمهورية، كما خرج من صفوف هيئته القيادية - اللجنة المركزية - قادة الجيش الشعبي الوطني، لكن رغم هذا فإن واضعي ذلك الدستور لم يغامروا بتسمية الأحزاب حرفيا، وفضلوا أن يضعوا بدلها تسمية "الجمعيات ذات الطابع السياسي". كانت التعديلات التي وردت في دستور نوفمبر1996 ، وهو الدستور الرابع، تحمل في شكلها ومضمونها بصمات ومخلفات الأزمة التي عرفتها البلاد عقب إلغاء الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر1991 .. واعتبر هذا الدستور الذي صدر في فترة حكم الرئيس اليمين زروال نقطة تحول ثانية في مسار النظام السياسي الجزائري، حيث عمد إلى سن ترسانة من الاجراءات القانونية من أجل تفادي ماحدث في تلك التشريعيات بعد فوز حزب إسلامي و حصوله على الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني ، فإضافة الى الإجراء الذي ورد في الدستور السابق و الذي يقضي بحل البرلمان تلقائيا إذا لم يصادق على برنامج الحكومة للمرة الثانية على التوالي فقد لجأ دستور 1996 إلى استحداث غرفة ثانية للبرلمان سماها مجلس الأمة وخول للرئيس تعيين ثلث أعضائها، كما أعطى لهذا المجلس حق تعطيل القوانين التي يصادق عليها المجلس الشعبي الوطني حينما حدد عملية مصادقتة على القوانين بنصاب ثلاثة أرباع4/3 عدد أعضاء المجلس، وهذا النصاب لا يتم الا اذا انضم الثلث الرئاسي لصالح القانون المطروح على المصادقة. ومن هنا برز مجلس الأمة كحلقة مهمة بين المجلس الشعبي الوطني ورئيس الجمهورية. إضافة إلى هذا فان الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في 28 نوفمبر1996 حمل في مواده مضامين واضحة تؤكد على الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة بعد ارتفاع شعارات الإسلاميين مثلما جاء في المادة 42 التي تؤكد أنه " لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أولغوي أوعرقي أوجنسي أومهني أوجهوي"، ولا يجوز أيضا استغلال هذه العناصر للدعاية الحزبية. وأكدت الفقرة الأخيرة من هذه المادة صراحة أنه " لايجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما". وقد وردت هذه النصوص من أجل تفادي تكرار تجربة الجبهة الاسلامية للإنقاذ المحظورة. كما تم في هذا الدستور اعتماد كلمة الأحزاب السياسية لأول مرة بدل الجمعيات ذات الطابع السياسي التي كانت معتمدة في دستور فيفري 1989 .