دعت أحزاب سياسية القائمين على تعديل الدستور إلى إحداث تغييرات جذرية وشاملة، لاستدراك الأخطاء السابقة التي عرفتها دساتير البلاد، معبّرة عن رفضها أن تقتصر هذه التعديلات على المواد المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، تزامنا مع اقتراب موعد هذه الاستحقاقات دون سواها، وهي المناسبة التي اقترح من خلالها حزب العدالة والتنمية وحزب الفجر الجديد، تحديد عهدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، كما طالبت الأحزاب بتوسيع النقاش؛ بإشراك كل الفئات السياسية والاجتماعية لصياغة وثيقة قوية؛ كونها العمود الفقري للبلاد. تتواصل ردود أفعال التشكيلات السياسية بخصوص موضوع تعديل الدستور؛ حيث عبّرت جبهة العدالة والتنمية عن أملها في أن يكون تعديل الدستور تعديلا جوهريا وشاملا وليس تعديلا جزئيا مثل تعديل سنة 2008، خاصة ونحن على مقربة من الانتخابات الرئاسية لسنة 2014؛ حيث اقترح السيد لخضر بن خلاف نائب بالجبهة في اتصال مع "المساء" أمس، ألا يقتصر هذا التعديل على المواد المتعلقة بالانتخابات الرئاسية وتحديد العهدات الرئاسية فقط، بل يتم توسيعه إلى مواد أخرى هي بحاجة إلى تغيير اليوم، قصد تصليح بعض النقائص الموجودة في الدستور الحالي، على حد قوله. وفي هذا الصدد أضاف السيد بن خلاف أن البلد بحاجة إلى تعديلات عميقة تحدد نظام الحكم، مشيرا إلى أن حزبه يطالب بإقامة نظام حكم برلماني، الذي يرى فيه النظام الأنسب لتكريس الديمقراطية ومراقبة أداء المؤسسات السيادية، علاوة على المطالبة بتحديد الصلاحيات بين السلطات الثلاث لإحداث التوازن. أما بخصوص مسألة العهدة الرئاسية التي أثارت نقاشا كبيرا في الأوساط السياسية والشعبية والتي شملها التعديل سنة 2008، حيث انتقلت من عهدتين إلى ثلاث عهدات، فذكر المتحدث باسم جبهة العدالة والتنمية، بأن حزبه يقترح عهدة رئاسية قابلة للتجديد مرة واحدة مثلما كان معمولا به في الدستور السابق قبل تعديل جزء منه سنة 2008. من جهة أخرى، دعا القائمون على إعداد المشروع التمهيدي للدستور، إلى أخذ مسألة الانتخابات بعين الاعتبار؛ لما لهذه المسألة من أهمية لتكريس المسار الديمقراطي ودولة القانون. كما طالبت جبهة العدالة والتنمية خلال المشاورات التي جمعتها بالسيد بن صالح وفي الاقتراحات التي تقدمت بها أمام الوزير الأول بخصوص موضوع الدستور، بدسترة قضية الفساد؛ بجعل عقوبتها تحدَّد في الدستور، لوضع حد لهذه الآفة الخطيرة التي أصبحت تنخر الاقتصاد الجزائري وكبرى الشركات في الدولة. وفي سياق منفصل، تطرق محدثنا إلى أهمية مراجعة قوانين الإصلاحات التي تمت المصادقة عليها السنة الماضية قبل تعديل الدستور؛ لأن ذلك سيتنافى أو سيتناقض مع محتوى الدستور الجديد في حال إدخال تعديلات عميقة عليه، مشيرا إلى أنه كان من الأجدر إعطاء الأولوية لتعديل الدستور قبل صياغة هذه القوانين تفاديا لتعارضها معه، مما يحتّم إعادة النظر فيها، مضيفا أن هذه القوانين أكدت محدوديتها، ولا بد من مراجعتها. وفيما يخص اللجنة المكلَّفة بإعداد المشروع التمهيدي للدستور الجديد، التي تم تنصيبها مؤخرا، قال السيد بن خلاف إن تنصيب هذه اللجنة "جاء مخالفا لتوصيات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي طالب بتعيين لجنة تتكون من خبراء تقنيين وقوى سياسية"، متسائلا عن سبب اكتفاء هذه اللجنة بالخبراء فقط، ما يبين أنها ستقوم بالصياغة فقط وليس بالمبادرة، على حد قول محدثنا، الذي ألح على وجوب عرض أشغال هذه اللجنة على الطبقة السياسية لمناقشتها وفتح حوار عام من طرف كل مكونات المجتمع؛ لأن الموضوع يتعلق بالدستور الذي يمثل الجهاز العصبي للدولة، وبالتالي فلا بد أن يُتخذ الوقت والحجم اللازم له، ولا يمكن التسرع في إعداده بطريقة سطحية. وصرح السيد بن خلاف بأن حزب العدالة والتنمية يطالب بعرض الدستور الجديد على استفتاء شعبي ليقول فيه الشعب كلمته، وليس على المجلس الشعبي الوطني، الذي وصفه ب "المجلس الفاقد للشرعية".
جبهة المستقبل ترفض أن يكون التعديل مناسباتيّا وشاطر السيد عبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل الرأي المطالب بفتح نقاش واسع مع كل الجهات السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع لمناقشة كل التفاصيل المتعلقة بالدستور، للوصول إلى إصدار دستور يتماشى واهتمامات الشعب، قصد تصحيح الأخطاء السابقة؛ "كون كل الدساتير التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال كان يضعها الحكام ولم تكن نابعة من الشعب"، كما أكده السيد بلعيد رئيس الحزب في اتصال ب "المساء"، حيث عبّر عن أمله في تقويم هذه الهفوات؛ لأن الأمر يتعلق بوثيقة سيادية بالغة الأهمية تمثل العمود الفقري للأمة. وفي هذا السياق، توقف محدثنا عند اللجنة المكلَّفة بصياغة المشروع التمهيدي للدستور، حيث قال إن هذه اللجنة تبقى لجنة تقنية؛ إذ كان من المفترض، على حد قوله، أن يكون توافق وطني عن طريق استشارة شعبية واسعة لجعل الجميع يبدي رأيه وترك الرؤى السياسية والاجتماعية تتفاعل للخروج بدستور إيجابي شامل وليس مناسباتيا فقط، متسائلا: "هل الجزائر فعلا بحاجة إلى دستور؟ فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن يكون التعديل عميقا، أما إذا كان التعديل يشمل المادة المتعلقة بالعهدة الرئاسية فقط فيبقى مناسباتيا يتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لسنة 2014"، يضيف السيد بلعيد، الذي ذكر بأن حزبه وفي الاقتراحات التي قدّمها للوزير الأول السيد عبد المالك سلال، دعا إلى تحديد العهدة الرئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، لتكريس مبدأ التداول على السلطة.
الفجر الجديد لا يرى داعيا إلى تعديل الدستور أما السيد الطاهر بن بعيبش رئيس حزب الفجر الجديد، فأكد أن حزبه لا يرى داعيا إلى تعديل الدستور؛ لأن المشكل لا يتعلق بالدستور أو القوانين بل بكيفية تطبيقها، مضيفا أن اللجنة المكلَّفة بإعداد هذا المشروع ما هي إلا لجنة تقنية تقوم بترتيب المواد فقط ولا تستطيع المبادرة بأي اقتراحات، يقول السيد بن بعيبش، الذي شكّك في إمكانية أخذ اقتراحات الأحزاب بعين الاعتبار في صياغة الدستور الجديد.