أعرفه ممثلا كوميديا بارعا، هزليا بهلوانيا في سلوكاته ومعاملاته، ساخرا ”يدعو للسخرية” في شكله وتقاطع وجهه، يتخذ من الحياة مسرحا، وممن حوله خشبة مسرح يتسلى بها حين يتسلقها، لم أتخيله يوما جادا، أو عاملا يفيد وينفع الناس، لم أتخليه يقف أمام المرآة لحظة يتأمل وجهه ويرى بعمق ذاته، بل لم أتخيله يفكر على الإطلاق، أكلت الغيرة نصفه، فأتم الحسد نصفه الباقي، ريشة في مهب الريح. لا يعرف للسكوت طريقا ولا للسكون سبيلا، كالخذروف في حركته ودورانه، أجزم أنه لو مات لذهب إلى قبره جريا على قدميه، ومع هذا كله فقد رأيته، في النوم جالسا هادئا ساكنا وكأنه ليس هو، ليست أحلامي هذه المرة هي التي تصنع العجب، وتجمع المتضادات، بل هو الذي صنع المعجزة، حتى أن أحلامي وهي المجنحة دوما استسلمت وخرت أمامه عاجزة.. رأيته على منبر يخطب في الناس بوقار واتزان، مكتنزا داخل جبة فضفاضة داكنة بعض الشيء، بيده اليمنى عصاة وبالأخرى وريقة بيضاء يقرأ منها ما ليس فيها، وعينه على باب القاعة ترقب الداخل والخارج، والمتقدم والمتأخر، وتحت المنبر مريد يسجل في دفتر الحضور وعدد التصفيقات وحتى درجة الاهتمام والتفاعل معه.. صبرت حتى انتهى من خطبته، ولما حاولت الدنو منه حجبني عنه المريدون وهم يقبلون يده وجبينه، عمامته وجناح برنوسه، يلثمون يمناه ويسراه وكتفيه وكل شيء فيه في تزاحم يشبه تدافع المصلين بعد خطبة العيد على الإمام.. اختبل كل شيء في، ولم يبق لدى أدنى شك في أنني أحلم، أو أن الأمر لا يعدو كونه تشابها بين شخصين .. انتهت المعركة حوله بعد أن قبله وسلم عليه كل الناس.. خرج من القاعة وكانت حسب الحلم مكشوفة غير مغطاة.. تحت حراسة مشددة، حيث كانت في انتظاره سيارة سوداء اللون، يقودها سائق أسود، وأخذت وجهة مجهولة، ولما سألت من كان خارج القاعة عن هذا الذي أعرفه ممثلا، وعن سر تحوله إلى إمام خطيب وداعية ومسؤول، أخبرني بأنه باع كل ما كان يؤمن به إلى هيأة مجهولة، ولم يقبض ثمنه فأصيب بخلل وانفصام. ولما رن منبه النقال، اكتشفت أنني لم أكن أحلم.