وصل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، على جناح السرعة أمس، إلى ليبيا ساعات بعد عملية التفجير التي استهدفت مقر سفارة بلاده في العاصمة طرابلس، وخلّفت إصابة اثنين من حراسها. وكانت السفارة الفرنسية بالعاصمة الليبية هدفا لعملية تفجير بالسيارة الملغّمة، أدت إلى إصابة اثنين من حراسها الفرنسيين، أحدهما وُصفت إصابته بالخطيرة وألحقت خسائر مادية جسيمة بالمبنى والبنايات المجاورة له. وتُعد هذه أول عملية تفجير تستهدف المصالح الفرنسية في ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي معمر القذافي شهر أكتوبر 2011. يُذكر أن السفارة الفرنسية في العاصمة الليبية تقع في حي غرغارش الراقي، بالإضافة إلى المصالح القنصلية والمدرسة الفرنسية التي أغلقت أبوابها ورفضت استقبال التلاميذ؛ تحسبا لأي طارئ جديد. وأكد موظفون في السفارة أن البناية انهارت بكاملها بسبب قوة الشحنة المتفجرة بالإضافة إلى مساكن مواطنين ليبيين، أكدوا أن قوة الانفجار كانت أكبر من عمليات القنبلة التي نفّذها الحلف الأطلسي ضد الأهداف الليبية خلال الهجمات التي أدت إلى الإطاحة بنظام العقيد الليبي المغتال. وحسب مصادر أمنية ليبية، فإن حصيلة الهجوم كان يمكن أن تكون كارثية لو أنها نُفذت بعد التحاق موظفي السفارة بمكاتبهم، بدليل حجم الخسائر المادية التي لحقت بالمبنى الذي أعيد ترميمه مؤخرا فقط وكذا الأضرار التي مست المساكن المجاورة واحتراق السيارات المتوقفة. ووصفت السلطات الليبية العملية ب "الإرهابية" في نفس الوقت الذي طالب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند السلطات الليبية بإلقاء كل الضوء على العملية، لكشف الواقفين وراءها ومحاكمتهم في نفس الوقت الذي أمر وزيره للخارجية بالتوجه على عجل إلى طرابلس، للوقوف على حقيقة ما وقع. ويُجهل إلى حد الآن ما إذا كان سائق السيارة قُتل في هذا التفجير أو أن السيارة فُجرت بتقنية التحكم عن بعد أن تم ركنها عند الباب الرئيس للممثلية الدبلوماسية لحظات قبل انفجارها. وكان للعملية وقع الصدمة في أعلى هرم السلطة الليبية، التي تسعى جاهدة لأن تعطي لليبيا صورة أكثر أمانا، من خلال إعادة بناء أجهزتها الأمنية وخاصة الجيش النظامي؛ في محاولة لوضع حد لفوضى السلاح التي أدت إلى تفريخ مليشيات رفضت تسليم أسلحتها بعد قرابة عامين من التدخل الأطلسي في ليبيا. وتأسف عمر الخذراوي الأمين العام لوزارة الداخلية الليبية، لوقوع التفجير، ووصف تداعياته ب "الكارثية"، مشيرا إلى أن تحقيقات أمنية تجرى حاليا من أجل تحديد الجهات التي نفّذت التفجير. ورفض وزير الداخلية الليبي عاشور الشويل التسرع في تحديد الجهة المنفّذة، وقال إنه من السابق لأوانه استخلاص أي شيء من هذا الهجوم؛ على اعتبار أن التحقيقات مازالت جارية لمعرفة الجهات وأسباب تنفيذ الهجوم. ولتفادي وقوع تفجيرات أخرى سارعت السلطات الليبية إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة حول المصالح الفرنسية وكل الممثليات الدبلوماسية الأجنبية المعتمَدة في ليبيا. ولكن وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز الذي تفقّد مكان التفجير قال إنه يعتقد بأنها عملية إرهابية ضد بلد صديق دعّم ليبيا خلال الثورة، كاشفا عن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة ليبية فرنسية لمعرفة الجهة الفاعلة. وتُعد هذه ثاني عملية تفجير تستهدف سفارة أجنبية في ليبيا بعد الهجوم الذي نُفذ ضد مقر القنصلية الأمريكية بمدينة بنغازي خريف العام الماضي وخلّف مصرع السفير الأمريكي وثلاثة من موظفي القنصلية. ولم تتبنّ إلى حد الآن أية جهة مسؤولية عملية التفجير وإن كانت بعض الاتهامات غير الرسمية وُجّهت لمتطرفين إسلاميين يريدون فرض منطقهم على السلطات الليبية، مستغلين في ذلك حالة اللاأمن التي تعرفها البلاد منذ ثورة فيفري 2011. ولكن جهات أمنية أخرى لم تستبعد أن يكون لتنظيم القاعدة يد في عملية التفجير على خلفية التورط الفرنسي في الحرب عليها في شمال مالي. وقال وزير الخارجية الفرنسي في أول رد فعل له على العملية، إن منفّذيها كانوا يريدون قتل أبرياء، ولم تكن تستهدف فرنسا وحدها ولكن كل الدول التي ساهمت في الإطاحة بالنظام الليبي السابق.