فقد الأخضر الإبراهيمي الموفد الدولي المشترك إلى سوريا، كل أمل في إمكانية تحقيق تقدم على طريق إنهاء محنة الشعب السوري رغم أنه أبدى صلابة واعتقادا متجذرا بأنه سينجح، حيث فشل سابقه كوفي عنان. ويبدو أن إصرار الإبراهيمي وحسن نيته في مواصلة مساعيه الحميدة لإنهاء مأساة شعب عربي يتمزق منذ ثلاث سنوات، اصطدمت بنفس أسباب فشل الأمين العام الأممي الأسبق الذي اضطر إلى أن يرمي المنشفة بعد اتصالات وجولات ماراطونية في مختلف العواصم الفاعلة وتلك ذات العلاقة مع ما يجري في سوريا. ولكن الإبراهيمي الذي تولى المهمة، في وقت أكد الجميع أنها مستحيلة، راح يؤكد ويعيد أن العمل الدبلوماسي لا يؤمن بالمستحيل مادامت أنها فن من فنون الممكن، وبالتالي فإن الأخذ بالأسباب لوضع حد لإراقة دماء الإخوة الأعداء في بلد عربي شقيق، هو ما جعله يرفض استخدام مصطلح الاستحالة لأنه اقتنع بالمهمة، ولولا ذلك لما تحمل عبئها ومخاطرها. ولكن وبعد ثمانية أشهر من الاتصالات والتحركات في أكثر من عاصمة دولية وعواصم الجوار السوري، تيقن الدبلوماسي الجزائري الأسبق أن مهمته ربما وصلت أمام جدار صد لم يستطع تجاوز حاجزه، من أجل تحقيق النجاح الذي آمن به، ولكنه ما لبث أمله يتبدد كلما واجه العراقيل من جهات دولية، كان يتعين عليها تقديم المساعدة وأن تكون حلقة دفع على طريق التسوية بدلا من أن تقف في وجه مساعيه بقرارات سارت إلى نقيض الهدف الأممي الذي أوكلت له مهمة تحقيقه. واقتنع الإبراهيمي أن مساعيه بدأت تسير إلى عكس رغبة بعض القوى الدولية والإقليمية التي تيقن الإبراهيمي أنها تعمل من أجل مواصلة الحرب لتحقيق هدفها بإسقاط النظام السوري ولا يهم ثمن تحقيق ذلك. ويكون الأخضر الإبراهيمي قد أقرّ بحقيقة الصعاب التي واجهها الأمين العام الأممي بان كي مون، في آخر لقاء معه لتقييم ما تم تحقيقه وما هي العقبات التي حالت إلى حد الآن دون الوصول إلى المبتغى. وكان وزير الخارجية، الجزائري الأسبق الذي تولى مهام المساعي الحميدة والوساطات في أصعب النزاعات والأزمات الدولية وكان آخرها الأزمة الأفغانية صريحا، عندما طالب من بان كي مون أن يحصر مهمته كوسيط للأمم المتحدة، رافضا بذلك أن يعمل تحت مظلة الجامعة العربية التي سارت في اتجاه تغليب لغة السلاح للإطاحة بالنظام السوري، بل أنّ دولا فاعلة داخلها راحت تطالب بتسليح المعارضة السورية لتسريع الانتهاء من الرئيس بشار الأسد. يحدث ذلك مع أن المهمة المبدئية لمساعيه تبقى وفق اتفاق جنيف ربيع العام الماضي بإقناع الفرقاء بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، بعد أن يمتثلوا لوقف إطلاق نار والبحث عن آليات إقامة مرحلة انتقالية لتنظيم انتخابات رئاسية مفتوحة وديمقراطية، تكون بمثابة خطوة أولى على طريق إنهاء مأساة حصدت أكثر من 70 ألف سوري ودمرت البنى التحتية وقيضت قوة الاقتصاد السوري وأوصلته إلى الهاوية. وإذا كان الإبراهيمي لم يعلن إلى حد الآن استقالته ولا الأمين العام الأممي ذلك، إلا أن اجتماع هذا الأخير مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن نهاية الأسبوع حول مستقبل مبعوثه تزيد الاعتقاد أن الأممالمتحدة بدأت فعلا تفكر في خليفة للدبلوماسي الجزائري، بعد أن اقتنع إلى درجة اليأس باستحالة تحقيق تقدم في مهمته، بعد كل المدة التي تحمل مسوؤلية بذل جهوده من أجل حقن دماء السوريين ومنع دخول سوريا نفق مظلم، كما حذر من ذلك في العديد من المرات دون أن تجد صرخات الاستغاثة التي أبداها آذانا صاغية لا من فرقاء الأزمة السورية ولا من الدول الواقفة وراء هذا الطرف أو ذاك.