الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ولا بد من معاقبة مجرميها ذكر الدكتور صويلح بوجمعة أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية ومحامي لدى مجلس قضاء الجزائر، أن مجازر 8 ماي 1945 هي إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم مع مرور الوقت في نظر القانون، ولا بد لمرتكبيها أن يلقوا جزاءهم. في الوقت الذي لا تزال فيه فرنسا الاستعمارية وإلى يومنا هذا بدون عقاب، مؤكدا أنه لا يمكن للمسؤولين عنها البقاء بدون جزاء، غير أن الواقع وللأسف ينبئ بغياب أي مبادرة من السلطات الفرنسية لتقديم اعتذارات رسمية عن هذه المجازر التي لا تشملها أي إجراءات العفو في نظر القوانين الدولية لأنها جرائم ضد الإنسانية. وأوضح الدكتور صويلح بوجمعة في لقاء مع "المساء" للحديث عن ذكرى مجازر الثامن ماي 45، أنّ هذه المجازر هي عبارة عن إبادة جماعية وهي جرائم مرتكبة ضد الإنسانية ولا يزال بعض من مرتكبيها ينعمون بالحرية وفلتوا من العقاب، حيث شرح مفهوم الجريمة ضد الإنسانية هنا بمحاولة السلطات الفرنسية القضاء على جماعة بشرية ذات عرق مسلم عربي، وحاولت إبادته عن بكرة أبيه. وفي هذا السياق، أكد الحقوقي أن الجريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم في نظر القانون، لذا فلا يمكن أن ينجو مرتكبوها من العقاب بعد مرور الوقت أمثال "موريس بابون"، "أوساريس" و«أشايري" بميلشياته. وأشار الدكتور بوجمعة إلى أن فرنسا الاستعمارية في هذا البعد القانوني مسؤولة جنائيا عن التقتيل والإبادة الجماعية ومختلف الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري، كما أنها مسؤولة عن نهب اقتصاده وخيراته وتفكيك وحدته الاجتماعية بالمراسيم الخاصة بالأهالي والتجنيد الإجباري، الأمر الذي يجعل المطالبة بالأضرار اللاحقة من جراء تفويت الفرص والإجرام بلا سبب، إضافة إلى المسؤوليات الجزائية عن إرهاب الدولة ضرورة حتمية وورقة استعجالية في المحاكم.
العفو عن جرائم 8 ماي يتعارض مع القوانين الدولية وذكر محدثنا، بأن طلب الاعتذار أو الندم الرسمي للدولة المعنية أي فرنسا يبقى مطلبا شعبيا لضحايا الاستعمار، ومهما قيل عن الإعفاءات من الجرائم في اتفاقية إيفيان، إلا أنه لا يمكن لقانون العفو أن يكون متعارضا مع الحقوق والنصوص الدولية التي شرعتها محاكم "نورمبرك"، وأن صاحب العفو الوحيد هم الضحايا مهما كانت جنسيتهم أو عرقهم أو دينهم، كما أن التعويض الرسمي المطالب به سيساعد في حال تجسيده على تدعيم جسور التواصل والتقارب أكثر وبطريقة سلمية بين الشعوب، رغم صعاب وتقلبات التاريخ المشترك. كما أشار الدكتور بوجمعة الذي اجتهد في البحث والكتابة عن مجازر 8 ماي من الناحية القانونية، إلى أن هذا الاعتذار يمكن أن يكون من الدولة المستعمرة أي فرنسا، وليس بالضرورة من مرتكبي الجرائم الذين فارق بعضهم الحياة، كون هذا المطلب مشروع لكن منال تحقيقه بعيد في الواقع –يضيف محدثنا – الذي استدل في حديثه عن قضية "موريس بابون" عندما طرحت أمام القضاء الفرنسي من قبل أطراف مدنية بمعية جمعية 8 ماي 45 التاريخية في سنة 2000، حيث أقرّ القضاء الفرنسي برفض الدعوى بحجة عدم التأسيس، مبررا حكمه بثلاث حيثيات، هي أن قضايا الاستعمار قد فصل فيها في مراسيم العفو 62 و63 ، وأن القضية المطروحة تعد من القانون العام ولا ترتقي للجريمة ضد الإنسانية. موضحا أن التشريع الفرنسي آنذاك لم يعترف بهذه الجرائم في مستعمراته، الأمر الذي أدى إلى استنفاد كل طرق التقاضي على مستوى الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي كان سلبيا في التعاطي مع الموضوع، لأن القضية تمس بتاريخه وتشوه صورته كبلد يتظاهر باحترام حقوق الإنسان وارتكب جرائم قمع وحقد لا يتصورها العقل. وتجدر الإشارة، إلى أن قضية مجازر الثامن ماي مطروحة حاليا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولا يزال الوضع قائما في سياسات الاستعمار وتمجيده عند فرنسا الكولونيالية التي تعترف وتعتذر عن تواطؤ "موريس بابون" في ترحيل اليهود الفرنسيين وتجحف في حق إبادتها الجماعية في الشرق الجزائري في 8 ماي وامتدادها لباقي ولايات الوطن. وللإشارة، فإنه بالرغم من طرح القضية أمام القضاء الدولي، فإن الحقوقيين الجزائريين ليسوا متفائلين بتسويتها وبالحكم لصالح المظلوم، كون هذه الأجهزة القضائية الأوروبية والدولية أداة في يد الدول القوية كفرنسا وحلفائها لتطبيق ما تسميه ب«العدالة" التي تتناسب مع مقاس الدول الغربية ومصالحها.
حديث فرنسا المناسباتي عن جرائمها خدعة لخدمة مصالحها واستبعد محدثنا وجود أي نية من طرف فرنسا في الوقت الراهن للاعتذار رسميا للشعب الجزائري، بالرغم من بعض المبادرات المحتشمة التي يبديها مسؤولها من حين إلى آخر، أمثال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي عبر في مناسبة سابقة، عن نيته في الاعتذار ولو بطريقة غير مباشرة عندما خرج في سابقة من نوعها في 17 أكتوبر الماضي، ووضع إكليلا من الزهور أمام نهر السين بباريس ترحما على أرواح شهداء مظاهرات 17 أكتوبر، الذين قمعتهم السلطات الفرنسية ورمت بهم في النهر الذي تحول لون مياهه إلى اللون الأحمر بدماء الشهداء. وفي هذا الصدد، يرى الأستاذ القانوني بأن الإعلان عن هذه المبادرات التي لم ترى طريقا للتجسيد ورقة تخرجها فرنسا من حين لآخر خدمة لمصالحها الاقتصادية ومصالح التعاون أو ما يسمى بالصيغة الجديدة، ومحاولات التقويض أو الخدش أو الاختراق في المد الوطني المتطور والمتجدد.
8 ماي لا ينحصر في منطقة بل غليان امتد من شرق إلى غرب الوطن ومن جهة أخرى، يرى الدكتور بوجمعة أن الثامن من ماي يبقى تاريخا رمزيا للحركة السياسية المطالبة بالاستقلال وتقرير المصير، كما أن الحديث عنه لا ينحصر في منطقتين فقط، بل هو غليان امتد من شرق إلى غرب الوطن، حيث بدأ الغليان وبدأت المجازر بعد إطلاق النار على أول شهيد وهو الشاب بوزيد شعال، ومن تلك اللحظة والحس الوطني بدأ يتواصل في الانفجار ويتسع إلى مختلف المناطق والمدن من سطيف، عموشة، خراطة، قالمة، هيليوبوليس، أفران الجير، وادي الزناتي، تبسة، سوق أهراس، تيزي وزو، الناصرية، سعيدة والبليدة التي سجلت مقتل الكشاف الشاب بن مراح. وامتد اللهيب إلى سيدي بلعباس، تلمسان، مليانة وغليزان، وكان ذلك على مدار كل شهر ماي والأسبوع الأول من شهر جوان، وكان لفرنسا سبيل الوأد الممنهج والمدروس لهذه الانتفاضة في المهد، وهنا بدأ التواطؤ المدروس بين كافة أعوان الاستعمار والدولة الفرنسية وحكامها الرسمين سواء مركزين أو محلين وخواصهم من المعمرين، وكان نصيبهم في هذا المزيد من التقتيل والقمع والتنكيل وكذا الاغتيالات الجماعية التي تعبر عن الحقد المشحون بأبشع نعارات العنصرية.