عندما تنقل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو، وكان ملف الأزمة السورية في أعلى قائمة محادثاته مع المسؤولين الروس، تأكد معها أن الولاياتالمتحدة اقتنعت بضرورة إنهاء هذا المأزق اليوم قبل غد لتفادي توسع تداعياته إلى كل دول الجوار. ثم أن تصريح الأخضر الإبراهيمي المبعوث الخاص الدولي إلى سوريا المتفائل بعد لقاءات كيري لافروف في موسكو، جدد الأمل في إمكانية إنهاء الأزمة المأساة بالطرق السلمية. كما أن تنقل كيري إلى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين حمل في طياته دلالات، على أن القوى الكبرى تحركت بأكثر حزم هذه المرة من أجل تحقيق ذلك. فهل يعني ذلك أن الأزمة السورية دخلت هذه المرة منعرج حسمها، بعد منعرجات سابقة سارت جميعها باتجاه تصعيدها؟. ولكن ما الذي جعل الولاياتالمتحدة تقتنع بعد مواقفها المتضاربة بين رفض تسليح المعارضة، ثم عدم معارضتها ذلك وطرح إمكانية إرسال وحدات "المارينز" إلى سوريا، وبعد أكثر من عامين من الاقتتال أن الأزمة تستدعي إجلاس الإخوة الأعداء إلى طاولة المفاوضات؟. فهل كان قصف إسرائيل لمواقع عسكرية سورية بداية الأسبوع والمخاوف الدولية التي صاحبته من احتمالات انزلاق الوضع إلى أزمة إقليمية، هو الذي زاد في قناعة الإدارة الأمريكية أن حسم الأزمة أصبح أكثر من ضرورة؟. ومهما كانت أسباب التحرك الأمريكي، فإن المؤكد أن روسيا الحليف الاستراتيجي لسوريا والولاياتالمتحدة حليف المعارضة المسلحة السورية، اقتنعا بعد عمليات شدّ ومدّ أن مفتاح الحل يمر حتما عبر موسكو وواشنطن، وأنّ القوى الإقليمية الأخرى ستكون مرغمة على ركوب سفينة الرغبة الأمريكية الروسية. وهو الأمر تماما بالنسبة للنظام السوري والمعارضة المسلحة المطالبة برحيله، اللذين يكونان قد اقتنعا طيلة الحرب الأهلية أن الغلبة العسكرية مستحيلة وأن المخرج الوحيد الذي يمكن أن يحفظ لهما ماء الوجه يبقى إيجاد أرضية لحل توافقي. كما أن حجم الخسائر البشرية والدمار الذي ضرب البنى التحتية للاقتصاد السوري، هو الذي جعل منطق التعقل يطغى على حسابات الجانبين المتصارعين، بدلا من منطق تدمير الذات الذي يجعل الرابح في هذه الأزمة خاسرا. ويمكن القول، إن التطورات التي أفرزتها زيارة كيري إلى موسكو أعطت المصداقية لمواقف الأخضر الإبراهيمي، الذي راح يتنقل بين الولاياتالمتحدةوروسيا، ويؤكد في كل مرة أن حل الأزمة السورية يجب أن يمر حتما عبر العواصم الكبرى، والتلميح كان واضحا باتجاه موسكو وواشنطن. ولكن ما الذي جعل البلدان يتأخران كل هذه المدة قبل الاقتناع بهذه المقاربة الأقرب إلى الواقعية، ورغم علمهما أن سوريا ليست ليبيا؟ وبعد أن أقسمت موسكو أنها لن تعيد أبدا تكرار موقفها الذي اتخذته إزاء النظام الليبي السابق ضد النظام السوري آخر حلفائها في كل منطقة الشرق الأوسط.