مرت أمس، خمسون عاما على ميلاد منظمة الوحدة الإفريقية، التي أوجدها قادة التحرير الإفريقي، لتكون بوتقة جامعة لطموحات شعوب إفريقية، خرجت لتوها من استعمار أوروبي مقيت نهب خيراتها واستعبد شعوبها وأبقاها في آخر حلقات التطور العالمي. وعادت أرواح آباء ثورات التحرر الإفريقية لتخيم على قاعة الاجتماعات مقر الاتحاد الإفريقي ومعها أحلامهم، في جعل دول القارة السمراء في زخم نشوة الاستقلال الذي حققته نموذجا للرفاه والنمو، بنفس درجة التضحيات التي قدمتها شعوبها طيلة قرون من الكفاح ضد العبودية والميز العنصري، وكل أشكال القهر والاستبداد الذي فرضه عليها مستعمرون ادعوا نقل حضارتهم لشعوب بدائية. وتأتي ذكرى الخمسينية هذه، لتكون وقفة لتقييم ما أنجز وما كان يجب أن تكون عليه هذه الشعوب، وليقف الجميع الذين شاركوا في جلسة أمس على واقع مر، فدول القارة مازالت كما هي حالة لااستقرار دائم وانقلابات متواترة وفقر مدقع ونزاعات حدودية وقبلية لا تنتهي. وقد وقف رؤوساء وقادة الدول الإفريقية خلال احتفاليتهم أمس، على هذا الواقع ولا يكاد اثنان يختلفان حول حقيقة أن أهداف التنمية والفقر والمجاعة قاسمها المشترك، بعد أن عجزت دول القارة طيلة هذه المدة الخروج من دائرة كونها مصدرا للمواد الأولية للقوى الاستعمارية السابقة، التي أبقتها في دائرة التبعية المطلقة لما يأتيها من دول استعمرتها، واعتقدت أن مبدأ الندية سيكون بمثابة معيار تعاملها معها. بل أن الصورة النمطية التي ألصقت بالقارة وشعوبها لم تخرج عن دائرة التخلف والحروب والانقلابات العسكرية والنزاعات العرقية، قبل أن يضاف إليها الإرهاب ضمن صفات جعلتها من أكثر قارات العالم توترا، وبما يؤكد أن شعار: “إفريقيا للأفارقة” الذي رفعه رموز الكفاح التحرري خمسينيات القرن الماضي بقي دون تجسيد. بل أن الدول الإفريقية الحديثة العهد بالاستقلال، وبدلا أن توجه بوصلتها باتجاه آليات تحقيق التنمية وتحقيق الرفاه، وقعت فجأة في دوامة انقلابات عسكرية لا تنتهي من خلال أنظمة صاعدة وأخرى مطاح بها ضمن ظاهرة مازالت قائمة إلى حد الآن، في مشهد إفريقي لم يستطع أن يكسر تلك القاعدة التي طبعت أنظمة الحكم في مختلف الدول الإفريقية. فالمجاعة تكاد تفتك بملايين الأفارقة والأمراض تنهش أجسادهم والحروب تشردهم والنزاعات العرقية قاسمهم المشترك، والمخرج من هذه الدوامة استحال الوصول اليها. ولم يكن من محض الصدفة، أن تركز تدخلات المشاركين في احتفالية الخمسينية على ضرورة الخروج من هذه الدائرة السوداوية التي طبعت بثالوث “الفقر والحروب والانقلابات”، ولكن لا أحد منهم أعطى وصفة سحرية لتحقيق مثل هذه المعجزة التي تحققت في قارات أخرى عانت من نفس ظروف القهر والاستعباد الأوروبي. فقد تمكنت دول في آسيا وأمريكا اللاتينية ممن وقعت تحت الاستعمار الغربي، ولكنها استطاعت وفق إستراتيجية مدروسة من تحدي الواقع الذي فرض عليها، لتتحول في فترة نصف قرن أو أقل من دول تعيش شعوبها تحت عتبة الفقر إلى دول باقتصاديات تنافسية. بل أن دولا مثل الصين والهند والبرازيل، أصبحت تهدد مصالح الدول الغربية في قارة “عذراء” ودفعت قوة اقتصادية بحجم الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وحتى روسيا، للبحث عن كيفية ناجعة لصد ما تسميه بالزحف الأصفر على القارة الإفريقية، في إشارة إلى المنافسة التي فرضتها الصين عليها، وأصبحت تهددها في قارة تؤكد كل التقديرات أنها ستكون خزان العالم من المواد الأساسية لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي للعقود القادمة، بدءا بالنفط والغاز ووصولا إلى مواد تصنيع التكنولوجيا الدقيقة.