أكدت الجزائر أهمية الإسراع في تجسيد مشروع إنشاء لجنة مغاربية استشارية دائمة لشؤون الجالية، تتولى مهمة تنسيق مواقف الدول المغاربية إزاء قضايا الجالية والعمل على تبني سياسة تفاوضية موحدة، إلى جانب التفكير في استحداث مرصد للجالية المغاربية في الخارج يعنى بشؤونها ويتكفل بإنجاز أبحاث علمية ودراسات حول أوضاعها. وقدم كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، السيد بلقاسم ساحلي، تصور الجزائر حول كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة التي عرفت تناميا كبيرا خلال السنوات الأخيرة وما انجر عنها من مشاكل كبيرة أضحت تعاني منها الجالية بسبب الظروف التي تمر بها بعض الدول الأوروبية، إضافة إلى البحث عن السبل الكفيلة باستغلال الكفاءات من المهاجرين لصالح خدمة تنمية الدول المغاربية. وفي هذا الصدد، أوضح كاتب الدولة في مداخلة له، أمس، خلال افتتاح أشغال ملتقى حول الجاليات المغاربية في الخارج بإقامة الميثاق، أن تجسيد مشروع إنشاء اللجنة المغاربية الاستشارية، من شأنه أن يسمح بوضع برامج مشتركة لحماية حقوق الجاليات المغاربية وتوثيق روابطها ببلدانها الأصلية. في حين يرى أن إنجاز مرصد للجالية يبقى مرهونا بدور وسائل الإعلام والحركة الجمعوية بالمهجر في إبراز قضايا المهاجرين والدفاع عنها والتعريف بما تقوم به من دور اقتصادي واجتماعي هام وتسليط الضوء على الكفاءات المغاربية وقدراتها وإسهاماتها العلمية في شتى المجالات. وبرر السيد ساحلي ضرورة إنشاء اللجنة والمرصد بسبب الظروف الحالية التي تمر بها الجالية المغاربية بالمهجر، مما يستدعي ضرورة تعميق الحوار وتنسيق الجهود من أجل النهوض بأوضاعها وحمايتها ومساعدتها في ظل تنامي بعض المظاهر السلبية كالتفكك الأسري والعنف والانقطاع المدرسي، مشيرا إلى أنه وضع عادة ما يؤدي إلى الانزلاق إلى خطر الإقصاء والانحراف أو التطرف بكل أشكاله ويقلل من فرص الاندماج في مجتمعات البلدان المستقبلة ويولد الشعور بعدم الاطمئنان والأمان أمام الحملات المغرضة التي تقوم بها بعض الأوساط لاسيما المتطرفة منها. وأمام هذه الإشكاليات والتحديات التي تواجه الجاليات المغاربية بالمهجر، يرى كاتب الدولة أنه أصبح من الضروري دعوة جميع الأطراف للوقوف على مجمل هذه الأوضاع والتعامل معها بحكمة وتبصر وواقعية ومعالجتها من أجل إرساء سياسات اتصالية وتكوينية ملائمة للحد من تداعياتها ودعم برامج التربية والتعليم لفائدة الأجيال الجديدة وتفعيل آليات التواصل مع مختلف شرائحها "بما يساهم في غرس قيم الاعتزاز بتراثنا وإذكاء روح المواطنة والانتماء ألمغاربي لديها لتتخطى الصعوبات والمشاكل التي تعترض سبيلها". غير أن الوصول إلى هذا المبتغى يقتضي إشراك الطرف الأوروبي بمباشرة حوار بناء يتسم بروح التعاون والمصلحة المشتركة حتى تستفيد منه جميع الأطراف، بما يحقق التنمية المتضامنة بين البلدان المعنية ويضمن احترام حقوق المهاجرين وصون كرامتهم. لاسيما وأن التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية التي يشهدها العالم قد أفرزت طرحا جديدا لموضوع الهجرة، مما أسفر عن مقاربات متباينة بين بلدان المنشأ وبلدان الاستقبال. على الصعيد الوطني، أبرز السيد ساحلي حرص الجزائر على أن تحظى هذه الفئة من المجتمع الجزائري بالتمثيل البرلماني الذي يضمن لها حضورها السياسي وكذا السهر على الدفاع عن حقوقها وحماية كرامتها في بلد الإقامة من خلال ممثلياتها الدبلوماسية والقنصلية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، مضيفا أن هذه الفئة من المجتمع الجزائري تشكل جزءا معتبرا من اهتمام النشاط الحكومي وذلك من خلال الحرص على توفير كافة وسائل التواصل مع أفراد الجالية بالمهجر، سواء من حيث تهيئة هياكل الاستقبال على مستوى القنصليات وعصرنة وسائل التسيير الإداري والقنصلي أو على مستوى العمل على توثيق الصلات وتمتين الروابط مع الوطن الأم، من خلال برامج خاصة لتعليم اللغة الوطنية وتنظيم مخيمات صيفية وكذا العمل على تهيئة الظروف التي تسمح بالاستجابة للاستعداد الذي تبديه الكفاءات الجزائرية للمشاركة في مجهودات التنمية في البلاد. وبغرض التكفل بانشغالات هذه الجالية وتخويلها سلطة الاقتراح، ذكر كاتب الدولة بالمجلس الاستشاري للجالية الذي يوجد قيد التجسيد ليعبر -كما قال- عن "الإرادة الثابتة للسلطات العمومية قصد التواصل الدائم مع أبنائنا في المهجر". وأجمعت مداخلات الوفود المشاركة على أهمية هذا اللقاء في تنسيق المواقف، حيث أبرز سفير ليبيا بالجزائر، السيد محمد مختار مازن، أن هذه المناسبة تشكل فرصة لتحقيق الأسس الكفيلة بالاستجابة لانشغالات الجالية في الخارج، في حين ذكر رئيس الوفد التونسي، السيد حبيب فوزي، باللقاءات التي ينتظر عقدها قريبا حول هذا الموضوع كما هو الشأن للقاء الوزاري التي تحتضنه باريس يوم 17 جوان الجاري حول الجاليات المقيمة بالخارج، ثم لقاء آخر بجنيف يومي 18 و19 من هذا الشهر أيضا قبل عقد لقاء آخر بنيويورك يومي 3 و4 أكتوبر القادم. أما رئيس الوفد الموريتاني، السيد بلاه ولد ملكية، فقد أكد على ضرورة إشراك الأدمغة في التنمية مع الدعوة إلى تضافر الجهود لمواجهة مشاكل البطالة وحماية الشباب من ظاهرة تعاطي المخدرات، في حين اكتفى رئيس الوفد المغربي، السيد محمد بونوة، بالتأكيد على أهمية تشكيل اللجنة المغاربية الاستشارية لشؤون الهجرة. وعموما، ركز المشاركون في أشغال الندوة على مجموعة من المحاور تتعلق أساسا بأوضاع هذه الجالية وتشخيص الصعوبات التي تعترضها وسبل حماية حقوقها المدنية والاجتماعية والحضارية. كما شكلت هذه الندوة فرصة لاستعراض التجارب الوطنية للدول المغاربية في التعامل مع جاليتها في الخارج، لاسيما في إدارة الكفاءات المغاربية وإسهام الجالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في وطنها الأم. ومن بين المحاور الأخرى التي تم التطرق إليها خلال هذه الندوة المغاربية، أهمية تنسيق النشاط الجمعوي والإعلامي للجاليات المغاربية في الخارج وتعزيز التعاون بين المؤسسات الرسمية المعتمدة في الخارج وكذا التنسيق بين الدول المغاربية في مجال حماية جالياتها في المناطق التي تشهد صراعات. وحسب المنظمين، فإن هذه الندوة تهدف إلى تسليط الضوء على أوضاع الجالية المغاربية بالخارج من خلال رصد تجارب الدول الأعضاء في الاتحاد وتبادلها والعمل على تنسيق المواقف إزاء المسائل المتعلقة بهذه الجاليات والدفاع عن مصالحها. كما تهدف إلى إيجاد السبل الكفيلة بحماية حقوق ومكتسبات هذه الجاليات وتحسين أوضاعها والحفاظ على هويتها والعمل على تعزيز التضامن والتآزر بين مختلف مكوناتها.