تشارك الجزائر في المعرض الدولي حول الأمن الغذائي الذي ينتظر تنظيمه من 17 إلى 19 جوان الجاري بالعاصمة الصينية بكين، وذلك في الوقت الذي سعت فيه بلادنا خلال السنوات الماضية لتطوير الفلاحة من أجل بلوغ هدف الاكتفاء الذاتي غير أن ارتفاع فاتورة الغذاء من سنة إلى أخرى يطرح إشكالية مدى تجسيد عمليات تأمين الغذاء، انطلاقا من الإنتاج المحلي الذي يظل بعيدا عن الهدف المسطر. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الجزائر لتطوير الزراعة فإن الخبراء يجمعون على عدم الوصول إلى الأهداف المسطرة فيما يتعلق بالأمن الغذائي لأسباب تأتي في مقدمتها التبعية المطلقة لاستيراد المواد الغذائية، وما يترتب عنه من تذبذب في أسعار المواد الغذائية سواء في الأسواق العالمية أو الجهوية، فضلا عن النمو الديمغرافي الذي يتراوح ما بين 1.6 إلى 2 بالمائة، مما يعني أن عدد السكان سيرتفع إلى 44 مليون نسمة في 2030 وإلى 52.6 مليون نسمة في آفاق 2050. وتشير إحصائيات الجمارك الوطنية إلى أن فاتورة الغذاء في الجزائر تضاعفت بثلاث مرات في خمس سنوات فقط أي من 2003 إلى 2008، بينما، واستنادا إلى هذا المصدر، فإن هذه الفاتورة التي كانت تقدر ب4،2 ملايير في سنة 2000، قفزت إلى حوالي 6 ملايير دولار في سنة 2010. كما أن المبالغ الهامة المخصصة لاستيراد الغذاء مدفوعة بالكامل من إيرادات المحروقات وهو تحد آخر يواجه السياسة الغذائية، علما أن هذه الكلفة مرشحة للارتفاع بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي ستواجهها الزراعة العالمية في العشرية المقبلة والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق، وكذا بالنظر إلى انخفاض المحصول الزراعي ومردودية بعض الزراعات الاستراتيجية في الجزائر، قدرتها بعض الدراسات الاستراتيجية في أمريكا بحوالي 5.7 إلى 14 بالمائة بالنسبة لمحاصيل القمح ومن 10 إلى 30 بالمائة بالنسبة لمحاصيل الخضر، وذلك بسبب الظروف المناخية. ولمواجهة هذه التحديات، وضعت وزارة الفلاحة ما يسمى بمخطط التجديد الفلاحي الذي يمتد على خمس سنوات ويرتكز على ثلاثة محاور أهمها تكثيف الإنتاج وتحديث المستثمرات الفلاحية، تطوير المناطق الريفية، وأخيرا تكوين الموارد البشرية بغرض التخفيف من أعباء فاتورة الاستيراد. وتحرص الجزائر على جعل الأمن الغذائي مسألة سيادة وطنية مع إيلاء الأهمية للريف، حيث سبق لوزير الفلاحة والتنمية الريفية، السيد رشيد بن عيسى، أن أكد في هذا الصدد بأن الاحتياجات الغذائية للجزائر تتم تلبيتها في حدود 72 بالمائة من الإنتاج الوطني أما الباقي فمن الاستيراد، مضيفا في هذا السياق "لدينا فروع فلاحية حققنا فيها الاكتفاء الذاتي وأخرى ليس بالشكل الكافي فهناك تحسن إلا أنه لازال هناك الكثير ينتظر التحقيق في المستقبل". كما أن التصور الجديد للقطاع يأخذ بعين الاعتبار التغيير المسجل على الخريطة الفلاحية الجزائرية، من خلال ظهور أقطاب فلاحية جديدة على مستوى الجنوب، حيث يتم حاليا ضمان نسبة 3ر18 بالمائة من الإنتاج الوطني لاسيما من الوادي وبسكرة و22 بالمائة من الهضاب العليا و16 بالمائة من الأرياف و43 بالمائة من السهول. وكان مختصون قد دعوا في عدة مناسبات إلى ضرورة إنشاء مرصد وطني للأمن الغذائي تجمع فيه كل المعطيات الخاصة بتطور الغذاء وأسعاره وانعكاساته في الداخل، إلى جانب زيادة الدعم المالي للبحث العلمي في قطاع الفلاحة وكل ما يتعلق بتوفير المياه وتطوير الطرق البديلة للطاقات المتجددة، إلى جانب تنظيم السوق الوطنية والمعاملات التجارية ومراقبة الأسعار. فهل سيكون معرض بكين فرصة للمؤسسات الجزائرية للاطلاع على تجارب الدول الأخرى في مجال إرساء سياسة الأمن الغذائي، كون المسؤولية لا تقع على السلطات العمومية لوحدها بل حتى على القطاع الخاص الذي يفترض أن يساهم في هذا المجال بالدخول في قطاعات استراتيجية حقيقية لدعم الإنتاج المحلي؟