بادر المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الانسان والتاريخ، أول أمس، إلى تكريم الراحل مصطفى تومي، من خلال لقاء استعرض مسيرته الفنية والفكرية وكذا نضاله المتميز من خلال المسؤوليات التي اضطلع بها أثناء الثورة التحريرية. اللقاء احتضنته قاعة فرانس فانون برياض الفتح، وقد افتتحه الأستاذ سليمان حاشي مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ، الذي أشار في كلمته الترحيبية إلى أن هذا التكريم كان سينظم بعد 40 يوما من رحيل تومي إلا أنه ولأسباب تنظيمية تأخر إلى 27 جوان الجاري. بالمناسبة، نظمت مائدة مستديرة أدارها حاشي وشارك في تنشيطها الأستاذ لمين بشيشي ورشيد تومي وعبد المجيد مرداسي وعبد الكريم مزياني، وكان موضوع هذه المائدة المستديرة هو "الرجل المناضل" تطرق فيها الأستاذ مرداسي إلى حياة مصطفى تومي كضابط في صفوف جيش التحرير الوطني، حيث التحق بالجبل مبكرا لينتقل للعمل أيضا في تونس والمغرب، كما تناول المتدخل حياة الراحل ومواقفه الوطنية وكيف ارتبط بشكل خارق بوطنه ثم بقصبته الحبيبة. قال مرداسي "إن استحضار ذكرى هذا الرجل جاء لأنه جزء من ذاكرتنا الثقافية، والتاريخية الوطنية، رجل ضحى من أجل الجزائر وعمل على تشييدها، وأعماله وأفكاره أصبحت تراثا وطنيا". أما السيد لمين بشيشي فوصف الراحل برفيق النضال، كما أثنى عليه مادحا "كان ذا لحية بيضاء ووجه بشوش" تعرف عليه إبان الثورة بتونس ليلتحق تومي سنة 1959 بالإذاعة السرية بالناظور وكان أحد ألمع الأسماء الإعلامية وكان يصيغ بيانات الثورة بالعربية والأمازيغية والفرنسية. بشيشي أحضر معه كتابا ضم نصوصا أدبية وشعرية، لكبار المبدعين الجزائريين كبوجدرة، وجون عمروش وفرانس فانون جمعها الراحل تومي في هذا الكتاب وكتب مقدمته وخاتمته بتميز ليهديه للمهرجان الافريقي بالجزائر في طبعته الأولى سنة 1969. ظهر تومي في حياة بشيشي بعد الاستقلال ليزوره بالإذاعة والتلفزة الوطنية ليحتج على تهميش بعض الفنانين وعلى رأسهم الريميتي التي تنبأ لها بالشهرة الكاسحة. من جهة أخرى، أكد بشيشي أن تومي لم يكن يقول إلا الحق ولو كان جارحا ولا يخاف في الحق لومة لائم مهما كان وزنه ومنصبه، الأمر الذي أكسبه الاحترام والتقدير. رشيد تومي تحدث من جهته عن ذكرياته مع مصطفى تومي وكيف نصحه بدخول عالم الاندلسي عوض الشعبي وكيف علمه أصول الموسيقى والعزف وأهداه قيثارة وهو في الموصلية ثم تابع مسيرته حتى عند هجرته (أي رشيد) إلى المغرب الشقيق. الأستاذ عبد الحكيم مزياني أشار إلى أن تومي كان ابن الشعب الذي رفض ثقافة المحتل كما أدرك أن الثقافة هي مرآة الشعوب وصانعتها. تومي ابن الحي الذي ولد به مزيان أي باب الجديد بالقصبة، لذلك كانت هذه الأخيرة في وجدانه وفي أعماله وفي نضاله لذلك جاء إبداعه عميقا عمق الجزائر. أوضح مزياني كيف شاركه تومي سنة 1991 تأسيس جمعية القصبة من أجل إعادة بعث تراث هذا الحي العتيق الذي هو اختصار لكل الجزائر. تومي عاش مؤمنا ووفيا لمبادئ نوفمبر ولمبادئ الجمهورية وكان يؤكد أن كل حياد عن هذه المبادئ سيولد الفتن والانحطاط. أكد مزياني أن تومي كان خطيبا سياسيا متمكنا كان يمثل ابن المدينة (الحضر) ويفتخر بهذا الانتماء. بعد هذه المداخلات توالت الشهادات، منها شهادة الملحن الكبير كمال حمادي الذي عرف الراحل سنة 1952 عندما بدأ مشواره الفني معه بالإذاعة، وأشار إلى أن الراحل تولى مسؤوليات هامة بعد الاستقلال، وتعامل مع أكبر الأسماء الفنية منها الوافية، سلوى، العماري، العشاب، وردة الجزائرية (الصومام)، الغازي وأيضا العنقى في رائعة "سبحان الله يا لطيف". كما تغنى الراحل بإفريقيا (مع مريم ماكيبا) وحركات التحرر في أغنية "شيڤيفارا" وكتب عن وحدة المغرب العربي. للإشارة، نظمت مائدة مستديرة ثانية، أدارها عبد المجيد مرداسي وكانت بعنوان «رجل وسائل الإعلام، الشاعر وكاتب الكلمات" نشطها كل من عبد الحكيم تازاروت، رضا دوماز، وعبد القادر بن دعماش. مرداسي أسهب في الحديث عن نضال تومي في وزارة التسليح والعلاقات العامة ثم نضاله كمثقف بعد الاستقلال خاصة في المقالات التي كان يكتبها في أشهر مجلة ثقافية بالجزائر وهي "نوفمبر" رفقة أبناء جيله كاتب ياسين ومالك حداد ومراد بوربون وجاك بارك. الباحث عبد القادر بن دعماش تحدث عن تاريخ الراحل الفني من خلال فرقة جبهة التحرير الوطني أين قدم أروع الأغاني الوطنية للهادي رجب منها "قلبي يا بلادي" و"جاء المهاجر"، وقدم لسعيد السايح أيضا، انطلق تومي بقوة في المسرح وكانت له فيه أعماله مثل "كهينة".. وشارك كبار المسرح الجزائري إبداعهم كبشطارزي ومصطفى كاتب وجلول باش جراح. عمل أيضا كاتب سيناريو فأنتج "الشبكة" للغوتي بن ددوش (رفيق دراسته وطفولته) سنة 1975 و "المفيد" لعمار العسكري سنة 1978. ارتبط اسم مصطفى تومي برائعته "سبحان الله يا لطيف" وقد لاقى إجحافا من البعض عندما نسبو القصيدة لغيره. الناقد عبد الكريم تازاروت وصف الرجل بالفنان متعدد المواهب بدءا من كتاباته السينمائية التي وصلت إلى 50 سيناريو أغلبها رفضتها الرقابة. كان الراحل -حسب تازاروت- ملتزما سياسيا واجتماعيا رصد متغيرات مجتمعه بعين المحقق المدقق، علما أن عمله الصحفي ساعده في ذلك. شهادة رضا دوماز كانت أكثر حميمية باعتبار تومي كان خاله وتعلم منه الكثير خاصة في القصيد وكيفية التعامل معه وكيف كان يترجم الفن إلى قيم نبيلة وسامية لتربية المجتمع، ذكر دوماز أيضا إتقان خاله للعربية والفرنسية والعبرية وكذا بعض اللغات القديمة منها الآرامية وله أبحاث علمية في ذلك. للتذكير، نظم بمناسبة التكريم حفل ساهر بقاعة ابن زيدون بمشاركة رضا دوماز وبوحبيب وحسيسن وغيرهم من تنشيط ياسين اوعابد.