لم تنتظر قيادة الجيش المصري طويلا بعد مجزرة أمس، لتؤكد في بيان أصدرته أمس، أنها لن تقبل أبدا بأي تهديد للأمن الوطني مهما كانت الظروف. وقال أحمد علي، الناطق باسم الجيش المصري، إن قيادة القوات المسلحة المصرية تعهدت بعدم ملاحقة مئات آلاف المعتصمين إن هم عادوا إلى ديارهم. عاشت مصر فجر أمس، أبشع مجزرة طالت 51 شخصا من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، الذين قتلوا رميا بالرصاص في ظروف غامضة ليلة الأحد إلى الاثنين قبالة مقر الحرس الجمهوري في قلب العاصمة القاهرة. ويعد هذا أول انزلاق بمثل هذه الخطورة في الأزمة السياسية المصرية، بما قد يكون بداية دوامة عنف لا تنتهي على خلفية الفعل ورد الفعل الذي قد يؤدي إلى متاهة حرب أهلية والانتقال بوضع البلاد من حالة العصيان المدني إلى تمرد مسلح. وتضاربت المعلومات حول الظروف التي وقعت فيها هذه المجزرة، التي لم يكن أحد من المصريين يتوقعها رغم حدة القبضة القائمة بين أنصار رئيس معزول وقيادة جيش باشرت مرحلة انتقالية وتريد إتمامها إلى نهايتها. ففي الوقت الذي أكد فيه موقع جماعة الإخوان المسلمين أن حصيلة القتلى بلغت 53 شخصا من بينهم خمسة أطفال في محاولة القوات إنهاء الاعتصام، أكدت قيادة الجيش أن إرهابيين مسلحين هاجموا مقر الحرس الجمهوري، حيث يتجمهر آلاف الإسلاميين المؤيدين للرئيس مرسي، وفتحوا نيران أسلحتهم محاولين اقتحام قوة الحرس، مما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة عدد من الجنود وصفت حالات ستة منهم بالخطيرة. ورغم تأكيدات الجيش على محاولة إرهابيين اقتحام مقر الحرس الجمهوري، أكدت الرئاسة الانتقالية في بيان أصدرته أمس، أنها شكلت لجنة تحقيق خاصة لتحديد ملابسات ما وقع وتحديد هوية المتورطين في شن هذا الهجوم. وهو ما يؤكد أن الظروف الحقيقة التي وقع فيها الهجوم مازالت غامضة، بدليل أن ضحاياه غالبيتهم العظمى من المتظاهرين المحتجين وأنهم سقطوا قتلى خارج البناية، التي أكد الجيش أن مسلحين حاولوا اقتحامها. ولا يستبعد أن تكون هذه المجزرة بمثابة المنعرج في أحداث حافظت على سلميتها النسبية منذ اندلاعها نهاية الشهر الماضي، واحتمالات متزايدة لأن تسير باتجاه تصعيد أمني، بعد أن تعالت أصوات في أوساط الإسلاميين المتطرفين بحمل السلاح في وجه النظام المصري إلى غاية استعادة الشرعية الديمقراطية المسلوبة. ودحضت مصادر حركة الإخوان ما جاء في بيان الجيش، وأكدت أن المجزرة وقعت عندما أقدم جنود وعناصر من قوات الشرطة بفتح نيران أسلحتهم على أنصار الرئيس المعزول عندما كانوا يؤدون صلاة فجر أمس. وهو ما أكده ناجون من هذه المجزرة، وقالوا إنهم تعرضوا لإطلاق نار وقنابل مسيلة للدموع، مما أحدث فوضى عارمة وسط المعتصمين، بينما أكد محتجون أن قوات الحرس أطلقت النار في الجو، بينما كان مسلحون بزي مدني يطلقون النار من أسلحة فردية على المعتصمين. وسارع على إثر ذلك حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لحركة الإخوان إلى إصدار بيان حثّ فيه الشعب المصري على الثورة ضد من قال إنهم "سرقوا ثورته بالدبابات"، وحذر من سوريا جديدة في مصر. بيان وصفته الرئاسة الانتقالية بالمحرض، وأمرت على إثره بغلق المقر الوطني للحزب، بحجة أنها عثرت على "كميات من سوائل سريعة الالتهاب وأسلحة بيضاء من خناجر وسيوف". وهو ما يؤشر على أن القطيعة قد تمت بين قيادة الجيش المصري وحركة الإخوان، بعد أن ساد الاعتقاد خلال اليومين الأخيرين، أن السلطات الانتقالية تريد إقامة طريق للتشاور السياسي مع حركة الإخوان للبحث عن مخرج لأزمة يزداد الاعتقاد أنها تسير بخطى متسارعة إلى طريق مسدود. وفي حال انقطعت كل سبل الحوار بين فرقاء هذه الأزمة، فإن ذلك يأتي ليؤكد أن قيادة الجيش لم تضع في حسبانها قوة التيار الإسلامي، بعد أن راهنت على خصومه من العلمانيين، وأن قرار عزل الرئيس مرسي إنما نقل الأزمة بين هؤلاء، والرئيس الإسلامي إلى صراع بين قيادة جيش مؤيدة للعلمانيين وبين إسلاميين. وقد أكدت تطورات اليومين الأخيرين، أن السلطات الانتقالية فشلت في نزع فتيل أزمة بقدر ما زادت في تعميقها، وقد كانت الحكمة أن تعمل على إيجاد حل توافقي يحفظ ماء وجه الجميع. وقد تأكد ذلك، عندما فشل الرئيس الانتقالي عدلي منصور من تعيين رئيس للوزراء، بعد أن رفض حزب النور السلفي تعيين محمد البرادعي، ثم زياد بهاء الدين في هذا المنصب بسبب قناعاته اليسارية. وازدادت الأزمة تعمقا، بعد أن قرر الحزب السلفي الانسحاب من المشاورات الجارية لإنهاء هذه المشكلة احتجاجا على المجزرة التي وقعت أمام مقر الحرس الجمهوري. وأثارت المجزرة حفيظة مختلف دول العالم التي عبرت عن انشغال عميق إزاء تطورات الأحداث في مصر، وسط مخاوف من احتمال انهيار العملية الديمقراطية في هذا البلد. وذهب الاتحاد الأوروبي إلى حد التأكيد أنه يعتزم إلغاء مساعدة وقروض بقيمة 5 ملايير دولار، بسبب ما وقع فجر أمس في القاهرة.