تضاربت الأخبار حول حصيلة قتلى المواجهات الدامية بين قوات الأمن المصرية وأنصار حركة الإخوان بين مؤكد على سقوط أربعمائة قتيل وآلاف المصابين، وبين مقلل من هذه الحصيلة والتأكيد على مقتل 100 شخص معظمهم من أنصار الرئيس المعزول. ومهما يكن عدد قتلى “الجمعة الأسود” في مصر، فإن ما لا يختلف بشأنه اثنان، أنّ مصر دخلت فعلا حمام دم ليس بإمكان أي أحد حقنها، في ظل مؤشرات تصعيد قادمة، لا يستبعد أن يدخل على إثرها هذا البلد في متاهة الحرب الأهلية بكل ما يعنيه ذلك من معنى على شعب وقع رهين حسابات سياسية ولغة أرقام الساحات العمومية. وسارت تأكيدات وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم أمس، بعزم قوات الجيش الشرطة إخلاء الساحات العمومية التي يحتشد بها أنصار الرئيس محمد مرسي، فإن ذلك يعد في حد ذاته إشارة لما لا يحمد عقباه . وقال المسؤول المصري، إن قوات الأمن ستتصرف في إطار القانون وإنها ستعمل قدر المستطاع على تسجيل أدنى الخسائر الممكنة”. وعبر عن أمله بأن يعود المتظاهرون إلى رشدهم بإنهاء اعتصاماتهم لتفادي إراقة الدم مرة أخرى. والواقع، أن ما حدث في مدينتي القاهرةوالإسكندرية فجر أمس، كان متوقعا ولم يخطئ المتتبعون عندما أكدوا أن مصر أصبحت على شفا منعرج خطير ومسلسل فوضى العارمة، بعد النداء الذي وجهه وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي باتجاه المعادين لحركة الإخوان بالنزول إلى الشوارع من أجل تفويضه بمحاربة الإرهاب. وكان مضمون هذا النداء كافيا، ليؤكد أن الأمور سائرة باتجاه مستجدات لن تكون بالضرورة سارة، في وقت دخلت فيه القنوات التلفزيونية المصرية ومختلف وسائل الإعلام حملة شحن غير مسبوقة، في محاولة لدعم موقف قيادة الجيش دون حساب لتبعات ذلك على الأوضاع العامة في بلد لم يعرف الاستقرار منذ الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك. ولقي العشرات من أنصار الرئيس المعزول مصرعهم، بعد تدخل قوات الأمن ضدهم في محيط ساحة رابعة العدوية في مدينة نصر شرق القاهرة، حيث ألقى كل طرف بمسؤولية ما وقع على الطرف الآخر، ففي الوقت الذي أكدت فيه مصادر حركة الإخوان أن قوات الشرطة كانت مصممة منذ البداية على استعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين مما أوقع تلك الحصيلة المرعبة، أكد وزير الداخلية محمد إبراهيم مبررا هذا التدخل، بالتأكيد أن قوات الأمن لاحظت تسلّح المعتصمين بأسلحة بيضاء مما جعلها ترد على تلك التهديدات. ولكن أطباء في المستشفى الميداني بساحة رابعة العدوية، أكدوا أن عمليات إطلاق النار كانت تتم من طرف قناصة محترفين، بدليل أن إصابات القتلى كانت على مستوى الرأس والصدر، بما يؤكد أن عمليات القتل كانت مقصودة، وجعلت أحد الأطباء يناشد قوات الأمن بقوله “إذا كنتم تريدون ضرب المعتصمين فأطلقوا النار على الأطراف السلفية، في نفس الوقت الذي وجه فيه نداء استغاثة لمد المستشفى بالوسائل والأدوية الأولية الضرورية لتقديم العلاج للمصابين الذين توفي بعضهم اختناقا بفعل الغازات المسيلة للدموع. وذكرت مصادر مصرية، أن المنعرج في الأزمة المصرية وقع عندما حاول متظاهرون في رابعة العدوية إغلاق جسر على نهر النيل، مما استدعى تدخل قوات الشرطة باستعمال القنابل المسيلة للدموع في البداية، قبل أن تتطور الأمور بشكل مفاجئ إلى استعمال الرصاص الحي، وسط فوضى عارمة خلفت أيضا إصابة مئات المتظاهرين بجروح متفاوتة. وأكدت حركة الإخوان المسلمين في بيان أصدرته أمس، أن قوات “الشرطة والجيش اقترفت جريمة أخرى صباح أمس أمام تذكار طريق المطار الدولي”. ولكن مصادر أمنية مصرية نفت كل علاقة لقوات الأمن بإطلاق النار على المعتصمين، باستثناء القنابل المسيلة للدموع في محاولة لتفريقهم. ولم تكن تلك الأحداث سوى شرارة أولى سبقت تجدد المواجهات في محيط رابعة العدوية، مما جعل عدد القتلى يرتفع تباعا من عشرة ضحايا إلى 23 ثم إلى 50 و75 ومائة قتيل، قبل أن تفتح البابا أمام تضارب أرقام قتلى هذه المواجهات، في ظل انعدام أرقام الجهات الاستشفائية. وجاءت حصيلة مواجهات القاهرة لتضاف على حصيلة مواجهات دامية أخرى شهدتها مدينة الإسكندرية، التي أحصت سقوط سبعة قتلى من أنصار الرئيس محمد مرسي. وأثار التدخل العنيف لقوات الأمن المصرية ضد الإسلاميين المعتصمين بميدان رابعة العدوية استنكارا دوليا واسعا، بسبب عدد ضحاياه والمخاوف من تبعاته. فقد أدانت الحكومة البريطانية أمس، “استعمال القوة ضد المتظاهرين “المصريين ودعت الجانبين إلى وقف كل أشكال عنف بينهما. وعبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عن انشغاله العميق للمنحى الذي أخذته الأحداث، في إشارة إلى سقوط عشرات القتلى في مواجهات فجر أمس. كما طالب السلطات المصرية باحترام مبدأ الحق في التظاهر السلمي، ووقف كل أشكال العنف ضد المتظاهرين بما فيها إطلاق النار بالرصاص الحي ومحاسبة المتورطين في ذلك “. وجدد هيغ مطالبة السلطات الانتقالية المصرية على إطلاق سراح كل المسؤولين السياسيين في حركة الإخوان المعتقلين منذ الثالث جويلية، في إشارة إلى الرئيس المعزول محمد مرسي. ومن جهتها، أعربت كاثرين آشتون المسؤولة السامية للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن أسفها لسقوط ضحايا في المظاهرات التي شهدتها مصر. وأكدت أشتون أنها”تتابع بقلق التطورات في مصر وتعرب عن الأسى العميق للخسائر في الأرواح أثناء مظاهرات يوم الجمعة، ودعت السلطات الانتقالية المصرية إلى “ضمان أن تكون التظاهرات سلمية ومنظمة وجميع الأطراف الفاعلة إلى الامتناع عن العنف، واحترام مبادئ الاحتجاج السلمي واللاعنف وحقوق الإنسان، بما في ذلك الحريات الأساسية للتجمع والتعبير”. وقالت إن الحل الوحيد لهذا الوضع، يمر عبر إطلاق عملية تحول شاملة، على أن تكون المصالحة والحوار عنصران أساسيان في هذه المرحلة الحرجة” . وهو الموقف الذي أصدرته الحكومة الفرنسية، التي دعت كل الأطراف وبصفة خاصة الجيش المصري إلى التعقل. وقال فليب لاليو الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، إن الكل مطالب بأن يعمل من أجل تفادي الانزلاق باتجاه دوامة العنف الدامي والبحث عن حل توافقي، للتوصل إلى تسوية سياسية سلمية تتوج بتنظيم انتخابات في أقرب الآجال. وقال من جهته وزير الخارجية الألماني، غيدو ويسترويل، إنه يشعر بقلق كبير بعد مظاهرات عنيفة خلفت سقوط قتلى، وطالب السلطات المصرية بضرورة السماح بتنظيم مسيرات سليمة والعمل بشتى الوسائل لمنع انزلاقها، وأضاف أنه بالحوار وليس العنف يمكن إعادة رسم مستقبل مصر.