الاتهامات الضمنية التي وجهها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، للجزائر في خطابه، بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لاعتلائه العرش، بسبب الجمود الذي يعتري ملف الصحراء الغربية، لا تثير الاستغراب في الوقت الذي ركزت فيه تصريحات المسؤولين في المغرب في المدة الأخيرة على تعقيد الأوضاع أكثر فأكثر، من خلال التمسك بطروحات لا تخرج عن نطاق النظرة الضيقة التي تحاول تحميل مسؤولية الجمود الذي تعرفه العلاقات والانسداد في قضية الصحراء للجزائر. وبقوله إن استمرار الوضع على ما هو عليه بخصوص القضية الصحراوية، يعود إلى تعنت الأطراف الأخرى والتي يقصد بها الجزائر، يظهر أن الملك المغربي قد سار عكس التيار بتجاهل السياق الذي تصنف فيه قضية الصحراء الغربية على المستوى الاممي، والذي تم فيه تحديد طرفي النزاع وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، في حين لم يسبق لمنظمة الأممالمتحدة أن أدرجت الجزائر على أنها طرف ثالث في النزاع، مثلما تروج له الطروحات المغربية. ولا يمكن تفسير اتهامات الملك محمد السادس سوى بغياب نية حقيقية من الجانب المغربي من أجل إذابة الجليد الذي مازال يعتري العلاقات الثنائية في الوقت الذي ذهبت فيه الرسالة التي وجهها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عكس هذا الاتجاه تماما، إذ جدد "عزم الجزائر الراسخ على تعزيز العلاقات الجزائرية-المغربية والارتقاء بها إلى أعلى المستويات تجسيدا لمصلحة شعبينا الشقيقين". ولا يمكن لهذه المشاحنة إلا أن تزيد في الهوة بين البلدين، مما يحول دون إحداث أي تقارب في العلاقات الثنائية، وهي التي سبقتها استفزازات من قبل بعض الأطراف المغربية التي شككت في السلامة الترابية للجزائر، مثلما كان الأمر مع التصريحات العدوانية بالغة الخطورة التي صدرت من رئيس حزب الاستقلال (حميد شباط) عندما كان عضوا في الائتلاف الحكومي، حيث طالب في بداية شهر ماي الماضي باسترجاع، من الجزائر، الصحراء الشرقية المتضمنة تندوف وبشار وتوات بأدرار، وهي التصريحات التي تناقلتها شبكات التلفزيون العمومي المغربي. في وقت رفضت فيه الجزائر المبرر الذي أدرج هذه التصريحات في خانة حرية التعبير والرأي، بالنظر إلى تأثيرها وضررها البالغ على الرأي العام، مستنكرة غض السلطات المغربية الطرف عن هكذا تصريحات والتزام الصمت بشأنها. ومن التناقض أن نجد المطالبين بشدة بفتح الحدود بين البلدين هم أنفسهم الذين يشككون في الوقت ذاته في الحدود المرسومة بين البلدين والمعترف بها دوليا، ومن هنا نقول إن التحجج بقواعد الجوار وحتمية التعاون يتطلب أن تكون التصريحات صادقة وجدية وأن تكون متبوعة بأعمال ملموسة تخدم مستقبل العلاقات الثنائية وليس تهديمها. وليس من الصدفة أن تتزامن اتهامات ملك المخزن مع دعوات الجزائر لوقف تدفق المخدرات من الجهة الغربية لا سيما بعد أن أطلعتنا تقارير للدرك الوطني عن الكميات الهائلة المحجوزة بالأطنان من هذه الآفة السامة والتي تبين أن مصدرها من المغرب، مع الإشارة إلى أن إثارة الجزائر لهذا الموضوع ليس جديدا، بل سبق وأن أدرجته في المحادثات التي جمعت مسؤولي البلدين كشرط لفتح الحدود، داعية إلى التعاون الجدي في هذا المجال إلى جانب وقف حملة التشويه ووضع قضية الصحراء الغربية بمعزل عن تطبيع العلاقات الثنائية. لكن بدا أن الطرف المغربي لم يلتزم بأي من هذه التفاهمات، بل تمسك بوضع مسألة الصحراء الغربية في قلب العلاقات الثنائية ولا أدل على ذلك من البيانات الرسمية التي تصدرها وزارة الخارجية المغربية التي تعتبر الجزائر "طرفا في هذا النزاع المصطنع"، وهو ما يناقض لوائح الأممالمتحدة. قبل أن يأتي خطاب ملك المخزن ليكرس هذه القناعة المغربية التي لن تؤدي في أي حال من الأحوال إلا إلى إبقاء جمود العلاقات الثنائية، رغم تأكيد الجزائر أن دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره غير قابل للمساومة مثلما تنص عليه مبادئها الثابتة. وأمام هذا الوضع، لا يمكن أن نتنبأ بانفراج قريب في العلاقات الثنائية ما دام الطرف المغربي متشبثا بالزج بالجزائر في مشاكله الداخلية، حيث لا ترى الجزائر أي مانع لفتح الحدود شريطة دراسة المسألة ببعدها الشامل، علما أن الظاهرة لا تشتكي منها الجزائر لوحدها بل حتى الرأي العام الدولي دعا المغرب للكف عن تسميم العالم، بعد تصنيفه في التقرير الذي تقدم به مدير الديوان الأممي أمام لجنة المخدرات التابعة لمنظمة الأممالمتحدة العالمي لسنة 2013، يؤكد فيه أن المغرب يعد البلد المنتج والممون الرئيسي في العالم بمادة الحشيش "القنب الهندي" ومصدرها إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية بصفة خاصة. وعليه، لا نستبعد أن يكون هذا التقرير وراء تجنيد المخزن، الذي يجد نفسه في وضع حرج، مختلف الأبواق الإعلامية والمنظمات والجمعيات السياسية التي تقع تحت سلطته، للتحامل على الجزائر من أجل إبعاد الأنظار عنه وتغليط الرأي العام الدولي بخصوص الانتقادات الموجهة إليه بهذا الخصوص وهو ما يزيد من نسف مشروعه للحكم الذاتي في الصحراء الغربية.