دخلت ربّات البيوت بقسنطنية قبل ساعات من الإعلان عن انقضاء الشهر الفضيل ودخول أجواء عيد الفطر، في سباق مع الزمن لإنهاء كل الترتيبات الخاصة بالعيد، حيث تشهد العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان حركة دؤوبة داخل المنازل، تكون بطلاّتها بلا منازع، السيدات اللائي يسطّرن برنامجا مكثفا تحضيرا لهذه المناسبة الدينية التي لا تنتهي إلا بعد صلاة العيد. لعلّ أبرز ما يميز البيوت القسنطينية في بداية الاستعداد لعيد الفطر، تنظيف المنازل، حيث تعكف كل ربة بيت على تجميل بيتها استعدادا لاستقبال ضيوفها، إذ تشترك السيدات في عملية “ النفيضة “وتشمل غسل الأرضية، الجدران وحتى أسقف الغرف، المطبخ والحمام، دون إهمال تنظيف أغطية الكنبات وستائر النوافذ، وتمتد عملية التنظيف هذه لتشمل أيضا، الخزائن بما فيها من أوان منزلية و أطباق، صحون، كؤوس وفناجين وكذا الأواني النحاسية التي تتميز بها المنازل القسنطينية. العائلات ميسورة الحال أو ربات البيوت المنشغلات بالعمل خارج البيت أو بتربية الأطفال الرضع، تقوم من جهتها بإعادة طلاء المنزل، حتى تتجنّب تعب تنظيف المنزل، كما تقوم بعض العائلات بإعداد كسوة غرفة الضيوف، من خلال تجديد الزرابي، الستائر وأغطية الكنبات. بعد الانتهاء من عملية تنظيف المنزل، تبدأ ربات البيوت في عملية تحضير كعك وحلوى العيد، وتتنافس سيدات قسنطينة على إعداد وصفات مختلفة من الحلوى كل حسب إمكانياتها، فمنهن من لا تفوت هذه الفرصة لإعداد أنواع راقية من الكعك وفي مقدمتها الحلويات التي تعتمد على المكسرات على غرار البقلاوة، طمينة اللوز والقطايف وهي حلويات جد مكلّفة، في حين تكتفي بعض العائلات بصناعة حلويات تستعمل فيها الفول السوداني” الكاوكاو” بدل الجوز، اللوز والبندق. وتشترك أغلب العائلات سواء الميسورة منها أو الفقيرة في إعداد أنواع من الكعك الخاص بقسنطينة، على غرار المقروط في شكله الهندسي المعين تعلوه نقوش مميزة، والذي يصنع من عجين السميد وعجين التمر أو ما يعرف بالغرس، يضاف إليه ماء الزهر والجلجلانية (حب السمسم)، كما لا تكاد تخلو مائدة قسنطينة أيام العيد من كعك الكروكي أو الكروكون، الذي يصنع من الفرينة وصفار البيض، يوضع في شكل أشرطة على صفيح الفرن ثم يقطع في شكل معينات طويلة بحجم أصبح اليد، ويوضع فوقه قليل من الجلجلانية والسكر الأبيض المبلور، في حين تكاد تختفي أنواع من الحلويات كانت تعرف رواجا كبيرا بقسنطينة في سنوات خلت، مثل كعك “الغريبية” التي تصنع من الفرينة، السمن، الزبدة، الفانيلا، خميرة الحلوى وصفار البيض مع القهوة في شكل أقراص أو مربعات. وتغتنم بعض العائلات مناسبة ليلة القدر لتحضير بعض الأطباق المميزة، خاصة وأن العديد من الأسر تفضّل خلال هذه المناسبة ختان الصغار، حيث يتم دعوة الأقارب والجيران إلى هذه المناسبة التي يكتسي فيها الأطفال حلّة بيضاء سواء من الإنتاج المحلي أو من الصناعة التركية التي بدأت تعرف انتشارا كبيرا بقسنطينة خلال السنوات الأخيرة، كما تكون هذه الأيام الأخيرة من رمضان شاقة على الأمهات والآباء خاصة مع اقتناء ألبسة العيد للأطفال، بسبب ارتفاع درجات حرارة الجو نهارا من جهة، وارتفاع أسعار الألبسة من جهة أخرى، وتزداد المعاناة في حالة عدم رضا الطفل عن الملابس أوعدم توافق قياس الملابس أو الأحذية مع قياسات الأطفال، حيث تلجأ الأسر إلى تغيير المقتنيات في رحلة ذهاب وإياب من وإلى الأسواق لا تنتهي إلا بإرضاء الطفل وتلبية رغباته. قبل العيد ببضع ساعات، يكون آخر ما تحضره ربات البيوت هو خبز الدار، الذي يصنع من السميد، الزيت، السانوج والجلجلانية، يصنع في شكل أقراص كبيرة وأخرى صغيرة تأخذ أشكال حيوانات كالأرانب أو السلحفاة، تسمى “الحنينات” وتقدم للأطفال الصغار الذين صاموا رمضان أو أياما منه تشجيعا لهم على الصيام العام المقبل، حيث يكون تحضير هذا الخبز عادة ليلة العيد، حتى يقدم صبيحته مع الحليب، ويكون أول ما يفطر عليه أفراد الأسرة بعد شهر كامل من الصيام. كما تقوم ربات البيوت القسنطينية أمسية العيد بتحميم الأطفال الصغار، حيث تكون المناسبة فرصة لخروج السيدات رفقة أطفالهن إلى الحمامات العمومية أو الاستحمام داخل المنزل، قبل وضع الحنة في أيدي الأطفال الذين يفوطون بعدها في نوم عميق، وكلهم شوق لقدوم الصباح لارتداء الملابس الجديدة والافتخار بها، في حين تقوم السيدات قبل الخلود إلى النوم، بوضع آخر اللمسات من إعداد مائدة الفطور، ترتيب غرفة استقبال الضيوف وتجهيز وكي ملابس صلاة العيد. وعيدكم مبارك.