انطلقت، أول أمس، فعاليات الأيام المسرحية للجنوب في دورتها السادسة بالمسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي، والتي تستمر فعالياتها إلى غاية 30 سبتمبر الجاري، بمشاركة إحدى عشرة فرقة جاءت من مختلف ولايات جنوبنا الكبير. وافتُتحت هذه الأيام بعرض مسرحية “الرفاعة” للجمعية الثقافية للفنون الدرامية “صرخة الركح” من تمنراست، للتأكيد على أن لجنوبنا خامات واعدة باحتياطي ثقافي كبير يموّل المسرح بصفة خاصة والفنون الإبداعية الأخرى بصفة عامة، في زمن أصبحت فيه الثقافة أمطارا ليس لها مواسم. استهل حفل الافتتاح الأستاذ عيسى ملفرعة مخرج مسرحي، بالترحيب بالفرق التي جاءت من الجنوب وبالفنانين والمسرحيين الذين جاءوا لمشاركة أبناء الجنوب عرسهم المسرحي على مدى أسبوع، ليؤكدوا أن المسرح في الجنوب قطع أشواطا معتبرة. وأضاف السيد ملفرعة في افتتاحه، أن هذه الدورة لها حافز لتجعل لمبدعي الجنوب فضاء في الفن الرابع على المستوى الوطني، وما يميّز هذه الدورة أن عشرين فرقة طالبت بالمشاركة، لكن لظروف المسرح الوطني تم انتخاب 11 فرقة مسرحية. كما أكد السيد بن فرعة أن هناك تفكيرا جادا في إنجاز مسارح بالجنوب؛ حيث تم إنجاز مسرح بالجلفة ومسرح ببسكرة، بينما مسرح تمنراست هو قيد الإنجاز. وبعد هذه الكلمة دعا للمنصة الضيوف، ومنهم سيد أحمد بن عيسى وممثلون للفرق المشاركة في هذه الأيام المسرحية للجنوب، مقدما لهم باقات الورد بعد التقاط صور تذكارية جماعية. افتُتحت الأيام المسرحية للجنوب بمسرحية “الرفاعة” التي قدمتها الجمعية القافية للفنون الدرامية “صرخة الركح” لتمنراست؛ حيث كتب نص المسرحية العربي بولبينة وأخرجها عزوز عبد القادر، وعمل على تجسيد شخوصها كل من الممثلين لنصاري إيمان، هابة صبرينة، مداني دنقوشي، غربي سارة، بلة بوبكر، بن محمد محيي الدين نسرين، فلاني عبد الرحمان، دريسي سفيان، حمادين عبد الرؤوف، عزوز نور الدين، باعلي وهيبة ومهدي يسري. «الرفاعة” مسرحية فتح من خلالها أبناء الجنوب نافذة على التاريخ لاستنطاق ذاكرة الآباء والأجداد من خلال نضالهم المتواصل ضد الاحتلال الفرنسي منذ أن وطئت أقدام جيوشه أرض الوطن، ونزلت بمنطقة سيدي فرج سنة 1830. المسرحية التي علاها ضجيج وصراخ ودخان متصاعد وظلال للمجاهدين، لتصور لوحة عن هذه المرحلة، وتسرد وقائع من خلال نساء ملفوفات بالبياض يسائلن نجمة، التي هي عبارة عن رمز للجزائر، لتسرد هذه الأخيرة قصتها. نجمة تستعرض مأساتها التي هي مأساة الشعب الجزائري، وتتكلم عن مصطفى والعربي ورمضان، وإنها تنجب الأطفال، وإذا وُلد طفل تعلّمه الشرف، ثم يأتي دور رمضان، ليحكي هو الآخر قصته بعد أن يتساءل البعض عن شخصه وملفه كمشروع مجاهد وشهيد، وإنه سيخرج من الظلمة وسيصعد إلى النور ساردا سبب ثورته. وتنتقل المسرحية إلى لوحة أخرى، وهي لوحة العايب وشيبة النار زوجته، في عملية استنطاق يجريها معهما نقيب من جيش الاستعمار وأحد أعوانه يسأل العايب عن سبب إعاقته، فيخبره بأنه أصيب أثناء تفجير لغم في خط ماجينو، فبُترت ساقه في الحرب العالمية، ومن خلاله يتم استعراض تجنيد الجزائريين في حرب ليست حربهم. كما تصور المسرحية خلال هذه المشاهد اندلاع الثورة والتفاف الشعب الجزائري حولها. المسرحية التي تتخللها أناشيد ورقصات محلية رغم بساطتها إلا أنها تنقل لنا مشاهد صادقة من تاريخنا مستعرضة نضالات الأجداد والآباء؛ من الأمير عبد القادر ولالة فاطمة نسومر والمقراني وبوبغلة والزعاطشة والكثير من الوقفات البطولية والتضحيات الجسام التي قدّمها الشعب الجزائري. وتهدف المسرحية إلى ربط تاريخنا الحافل بالأمجاد بالحاضر والمستقبل؛ في رسالة واضحة إلى الأجيال بأن الحرية لم تأت هبة ولا صدقة وإنما أُخذت غلابا وبأنهار من الدماء وبقوافل متواصلة من الشهداء، ولا يمكن أن نبني الوطن دون أن نثمّن حقه وواجبه الذي هو فرض علينا. وللتذكير، فإن الأيام المسرحية للجنوب ستكون مرفوقة بورشتين تكوينيتين للفرق المسرحية المشاركة؛ لإعطائها خبرة تقنيات الفنون المسرحية وكذا كيف يمكن استغلال الفضاء العاري، كما أطلق عليه أحد منشّطي الورشتين.