عززت المشاركة المتميزة للجزائر في الدورة الاستثنائية لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، بأديس أبابا، التي اختتمت أول أمس السبت، التوجه الثابت لبلادنا في الدفاع عن القضايا الإفريقية، وفق ما تنص عليه مبادئ سياستها الخارجية التي تنصب في إطار خدمة مصالح القارة السمراء وترقيتها على ضوء التغيرات الدولية. فبالإضافة إلى المداخلة التي ألقاها الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، خلال الدورة، حيث أكدت موقف الجزائر بخصوص فتح تحقيقات ذات طابع قضائي من طرف محاكم البلدان الأوروبية ضد مسؤولين أفارقة، فإن أبرز ما ميز هامش الأشغال هو تثبيت رئيس المفوضية الإفريقية للأمن والسلم الجديد الجزائري، إسماعيل شرقي، في منصبه، خلفا للسيد رمطان لعمامرة الذي عينه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية. وإذا كان ترشيح السيد شرقي قد جاء برغبة من رئيس الجمهورية، فان الإجماع الذي حظي به من قبل الأفارقة يعكس حقيقة الأصداء المستقاة من كواليس الأشغال، حيث فضل العديد من المشاركين أن يعود منصب المحافظ لشخص من جنسية جزائرية، بالنظر للدور الكبير الذي قام به السيد رمطان لعمامرة عندما كان يشغل المنصب والذي يستشهد بكفاءته في إدارة ملفات إفريقية مستعصية. كما يعكس ذلك قناعة إفريقية بأن الجزائر تعطي أولوية كبيرة لدفع العمل الإفريقي والدليل حرصها على وضع كفاءاتها لصالح ترقية مصالح القارة، بالإضافة إلى الإمكانيات التي تزخر بها وتجعلها بلدا استراتيجيا بدءا من موقعها الجغرافي، علما أنها تعد أكبر بلد في إفريقيا، إضافة إلى ثرواتها الاقتصادية المتنوعة ودورها الريادي على مستوى القارة السمراء في حل القضايا الخلافية وتقديم يد المساعدة للدول الإفريقية الفقيرة عند الضرورة. كما أن تجديد الثقة في الجزائر لتولي المنصب يأتي في الوقت الذي تعيش فيه بعض الدول الإفريقية اضطرابات سياسية واقتصادية وانعكاسها بشكل جلي على المستوى الأمني الذي يشكل مفتاح التنمية في قارة أثقلتها الحروب والنزاعات منذ عقود، ولا ننسى في هذا الصدد المساعي التي بذلتها الجزائر من اجل وضع حد لبؤر التوتر في القارة، بل فضلت أن يكون شعار قمة الوحدة الإفريقية(سابقا) التي احتضنتها الجزائر سنة 1999 حول موضوع السلم، كأحد الشروط الأساسية لإحداث النهضة التنموية. ولم تأل الجزائر جهدا في ضمان متابعة التوصيات التي خلصت إليها القمة حول ضرورة إرساء السلم عبر أرجاء إفريقيا، حيث نذكر في هذا الصدد دورها الريادي في إبرام اتفاق السلام بين إثيوبيا واريتيريا سنة 2000 بقصر الأمم بعد وساطة ناجحة، إضافة إلى حل مشكل التوارق بمالي من خلال اعتماد إعلان الجزائر سنة 2006 قبل تفجر الوضع مجددا في هذا البلد مؤخرا بسبب إفرازات الأزمة الليبية وانتشار ظاهرة الأسلحة غير الشرعية. من جهة أخرى، يمكن اعتبار رفض الجزائر فتح تحقيقات قضائية ضد مسؤولين أفارقة من قبل محاكم أوروبية، بمثابة تأكيد على موقفها في الدفاع عن السيادة الإفريقية، انطلاقا من أن هذه المسألة تعكس تدخلا سافرا للأوروبيين في شؤون القارة أو محاولة البحث عن أوراق ضغط جديدة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بعض الدول الأوروبية. وعليه، ترى الجزائر أن مساعي هذه الدول تهدف إلى فرض قرينة المسؤولية الجنائية "بلا وجه حق بدلا من قرينة البراءة"، في الوقت الذي يلاحظ فيه أن نشاطات محكمة الجنايات الدولية خلال ال11 سنة الماضية من وجودها خصت استثنائيا القارة الإفريقية. علما أن أوضاعا غير مقبولة بمناطق أخرى من العالم تم تجاهلها. كما أن موقف الجزائر إزاء هذه القضايا ينطلق من فكرة التمسك بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، حيث يتوفر الاتحاد الإفريقي على آليات معالجة مثل هذه القضايا، إضافة إلى كونه يبقى المنظمة الدولية الوحيدة التي يكرس نصها التأسيسي ضرورة مكافحة اللاعقاب. وذلك في تعليقها على إصدار أمر بالتوقيف ضد الرئيس السوداني عمر البشير واتهام الرئيس الكيني ونائبه اللذين انتخبا بطريقة ديمقراطية. يأتي ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه بلادنا بمطالبة الاتحاد الإفريقي مجلس الأمن الأممي بتطبيق المادة 16 من القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية فيما يتعلق بالمتابعات التي تمت مباشرتها في حق الرئيس السوداني وإحالة القضايا بخصوص كينيا، غير أن ذلك لم يأت بأية نتيجة. وعليه، اغتنمت الجزائر مناسبة انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي لتوجيه رسالة إلى الأطراف الأوروبية من خلال التأكيد على التزام إفريقيا بمكافحة اللاعقاب وتمسكها باستقلالها وسيادتها، مع المطالبة بحلول إفريقية لمشاكل القارة مع التركيز بالخصوص على تعقد إشكالية علاقة إفريقيا بمحكمة الجنايات الدولية في ظل ما يسمى بالاختصاص العالمي.