لا يمكن أن يختلف اثنان على أن ما حققته الصحافة في الجزائر من مكتسبات وفي فترة وجيزة، لا يمكن أن يستهان به، شملت مختلف المجالات، التشريعي والمؤسساتي والتنظيمي، فضلا عن مجال الحرية في التعبير وفي حق إعلام المواطن مع كل ما تحققه من خدمة عمومية للصالح العام والمجتمع. وبمقتضى هذه المكتسبات، أصبحت التشريعات الوطنية وعلى رأسها الدستور والقانون العضوي للإعلام تكفل حرية الصحافة والإعلام وما ينتج عنها من حقوق للإنسان المنصوص عليها في المواثيق والقوانين الدولية. إلا أن الطريق لا يزال طويلا –حسب المختصين- لبلوغ المستويات العليا في مجال الإعلام. ويؤكد وزير الإعلام الأسبق، السيد محمد عبو، في تصريح ل«المساء” أنه في حال تقييم وضع الإعلام وحرية الصحافة في الجزائر فإن الواقع المعاش يؤكد أن حرية التعبير مكفولة ضمن التشريعات الوطنية، حيث تتناول الصحافة، بكل حرية، كل مواضيع المجتمع، مشيرا إلى أن المستوى الذي بلغناه في حرية التعبير في ظرف زمني قصير لم تبلغه أية دولة في بناء مؤسساتها وتقدم ديمقراطيتها. وأبرز المتحدث في هذا السياق أن مواصلة المشوار لتطوير قطاع الصحافة والإعلام وبالتالي ضمان تقديم الخدمة العمومية للمواطن، لا يمكنه الاقتصار على اقتناء التجهيزات من أحدث الطرازات والتكنولوجيا العالية بل لا بد من تكوين الرجال أيضا لإيصال الرسالة بكل موضوعية واحترافية. من جهته، يرى النائب والعضو في لجنة الثقافة والاتصال والسياحة بالمجلس الوطني الشعبي، السيد محمد سيدي موسى، أنه لا بد من الرجوع إلى البدايات حتى نتمكن من الحكم على مسار قطاع الإعلام وحرية التعبير في الجزائر وتقييمه، فالمتتبع للتطور الحاصل في مختلف الدساتير الجزائرية –حسبه- يسجل بارتياح كبير القفزات النوعية التي حققتها الجزائر خلال فترة قصيرة من عمرها كدولة فتية مستقلة أو مستعيدة لسيادتها، ويتضح جليا أن هناك مرحلتين أساسيتين عرفتهما حرية التعبير والإعلام، المرحلة الأولى كرسها دستورا 1963 و1976، حيث تم إقرار مبدأ حرية التعبير وحرية الصحافة لكن تم تقييد ممارستها وتم إخضاعها لمبادئ التوجه الاشتراكي ولسلطة الحزب الواحد والتصور الواحد. لكن بعد أحداث خريف 1988–يضيف البرلماني والإعلامي- سجلت الجزائر تحولها النوعي في مسألة الحريات والحقوق التي تم تكريسها في دستور 1989 وتأكيدها في دستور 1996، انتقلت من خلالهما الجزائر إلى عهد جديد كرس مبدأ التعددية السياسية وبالتالي تعددية إعلامية، وضمان حرية الرأي والتعبير. وفتح بذلك المجال لظهور العشرات من الصحف والجرائد حملت توجهات سياسية متنوعة، وكانت البداية بالمرسوم الصادر في 19 مارس 1990 الذي فتح المجال أمام الصحفيين لإنشاء صحفهم الخاصة تبعه بعد ذلك قانون 1990 الذي كرس كل هذه المبادئ والحريات وجعل الجزائر تتبوأ الصدارة في حرية التعبير في العالم العربي. وبعد تجربة عقدين من الزمن كان لزاما أن تنقح وتصحح هذه التجربة من خلال النقائص التي كشفتها الممارسة، فجاء القانون العضوي لسنة 2012 ليؤكد الاستمرارية ويعزز حرية التعبير وحق المواطن في الإعلام، حيث نصت بعض مواده على حق المواطن في إعلام كامل وموضوعي وحقه في الإطلاع على الوقائع والآراء بموضوعية وحقه في المشاركة في الإعلام. كما نص قانون 2012 على ضمان المساواة في إمكانية التعبير عن تيارات الرأي والتفكير وضرورة احترام الكرامة الشخصية الإنسانية كما ضمن للصحفي حرية الوصول إلى مصادر المعلومات سواء كانت رسمية أو غير رسمية، ما عدا تلك التي تمس بأمن الدولة وسيادتها أو التي تخل بالتحقيق القضائي· وما ميز هذا القانون هو تأكيده على فتح المجال للإعلام السمعي البصري، الذي أعدت الحكومة مشروع قانونه وسيتم مناقشته وإثرائه خلال الأيام القادمة من قبل البرلمان بغرفتيه، وبذلك ستقفز الجزائر خطوة نوعية في مجال التعددية الإعلامية السمعية البصرية.
سن نص قانوني يضبط الإشهار أمر ضروري وفيما يخص تنظيم الإشهار، أكد سيدي موسى أنه لا بد أن يخضع هو الآخر لعملية تنظيم من خلال سن نص قانوني يضبط هذا النشاط الهام. ومما يعزز هذا الطرح هو التطور الكبير الذي عرفته سوق الإشهار في بلادنا وكثرة الوكالات الإشهارية وتطور الوسائل والتكنولوجيات الحديثة للاتصال وكذا بسبب الفوضى التي يعيشها هذا القطاع، أما فيما يخص توزيع الإشهار في الصحافة المكتوبة الذي يثير جدلا كبيرا في الوسط الإعلامي وحتى السياسي فقال المتحدث أن السلطة ترى أن من حقها أن توزع الإشهار العمومي على الصحف التي تختارها هي من خلال الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، وهذا يبقى طرحا منطقيا إذا اعتبرنا أن المؤسسات الخاصة كذلك تختار هي الصحف والجرائد التي تنشر فيها إشهارها، ضف إلى ذلك أن نسبة الإشهار العمومي في سوق الإشهار لا تتعدى 30 %، مما يعني أنه لا وجود لاحتكار السلطة لهذا السوق. ودعا المتحدث إلى ضرورة إخضاع توزيع الإشهار العمومي من طرف السلطة لمعايير وشروط معينة ومحددة حتى لا يقع في الممارسات التي لا تخدم المصالح العامة وأننا سوف لن نخترع جديدا إذا فعلنا ذلك لأن الكثير من الدول الأوربية سبقتنا في هذا المجال يمكن أن نستفيد من تجربتها.
عدم التوازن في توزيع الصحف يتطلب تدخل الدولة من جهة أخرى، يعتبر النائب مشكل توزيع الصحافة المكتوبة، إخلالا بحق دستوري هام هو الحق في الإعلام، فالكثير من المواطنين لا يمارسون هذا الحق بسبب النقص الفادح في هذه الحلقة الهامة، فبعد أن تخلت الدولة عن هذه المهمة وتركت المجال حرا سادت الفوضى وأصبح قانون الغاب هو المتحكم في هذا الميدان، وعليه فإن الضرورة تفرض الإسراع بتنظيم هذا الميدان من خلال إقرار نص قانوني، لتمكين المواطن الجزائري في أقصى الجنوب وفي الأماكن النائية من قراءة الجريدة في نفس الوقت كما يقرؤها مواطنو الشمال. وهنا أعتقد –يضيف السيد سيدي موسى- أنه على الدولة أن تتدخل من خلال استحداث مؤسسة كبرى تتكفل بالتوزيع خاصة في المناطق الجنوبية والنائية من دون غلق الباب أمام المؤسسات الخاصة. أما السيدة حدة حزام مديرة ”الفجر” فترى بخصوص توزيع الصحف الوطنية أن هناك مشكلة حقيقية وفوضى تسبب فيها غياب شركات توزيع قانونية، منذ أن توقفت شركة التوزيع التابعة للدولة والتي كانت تغطي كل جهات البلاد، حيث أصبحت اليوم بعض الجرائد تمتلك شركات توزيع، لكن النسبة الأكبر من سوق التوزيع تبقى بيد بعض البارونات الذين يتحكم فيهم أصحاب السحب الكبير والذين يفرضون منطقهم على الموزعين، ونفس الكلام ينطبق على الأكشاك ونقاط البيع. «لا أدري ماذا سيحمله الدستور الجديد عن حق المواطن في الإعلام” تقول السيدة حزام، لكن، من جهة أخرى، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، فالدولة تسهر على نشر المطابع في الجنوب لتقريب الصحافة من سكان هذه المناطق وكانت في السابق لا تصل الصحف إلا متأخرة بيوم أو يومين.