أصدر المقرر الأممي الخاص بتعزيز وحماية الحق في التعبير، فرانك لارو، تقريره عن مهمته بالجزائر في أفريل من العام الماضي، ضمّنه انتقادات شديدة لوضع حرية التعبير، مبديا انشغاله بوضع الصحافة والإعلام والقيود على حق التظاهر، وطالب برفع القيود التي تضمنتها القوانين الإصلاحية التي وضعتها الحكومة بعد زيارته، خصوصا الأحكام الواردة في قانوني الجمعيات والإعلام. رغم ترحيبه برفع حالة الطوارئ وقرار مباشرة الإصلاحات السياسية، أبدى المقرر الأممي، الذي أقام في الجزائر في الفترة الممتدة بين 10 و17 أفريل 2011 ، خشيته من أن الإطار التشريعي الحالي، الذي يضاف إلى إرث ممارسات الماضي، مازال ''يتضمن قيودا على حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي''. واستدل المقرر الأممي في أحكامه الصادرة في التقرير المقدم إلى الدورة العشرين لمجلس حقوق الإنسان الأممي، على معايناته الشخصية بالجزائر واعتماده على اللقاءات والنصوص والتشريعات، منها نصوص الإصلاح السياسي التي وضعت بعد زيارته، ولفت إلى أن هذه النصوص، منها قانونا الإعلام والجمعيات، أخذت بعين الاعتبار في صياغة وثيقته. ورغم إشادته ببعض أحكام نصوص الإصلاح السياسي وإلغاء أحكام الطوارئ وقانون الإعلام 07/90 المعروف ب''قانون العقوبات مكرر''، لفت إلى أن صحفيين، منهم صحفيا جريدتي ''الوطن'' و''الخبر''، تناولوا قضايا الفساد في الدولة توبعوا بالقذف وأدينوا بأحكام، لكن في أغلب الحالات لم تنفذ هذه الأحكام. وحذر المقرر الأممي في تقريره من ثقل الغرامات التي وضعتها في حالة الإدانة بتهمة ارتكاب جنحة القذف في حق شخص رئيس الجمهورية وكبار مسؤولي الدولة والجيش، وسجل بأنها طريقة لدفع المهنيين لممارسة الرقابة الذاتية. وأبرز أن ''الغرامات المالية المنصوص عليها في قانون الإعلام الجديد رادعة لحرية التعبير''، ودعا لإعادة النظر فيها. وفي رأي المقرر الأممي، المعروف بنضاله الطويل في مجال حقوق الإنسان بغواتيمالا، فإنه ''ينبغي للشخصيات العمومية أن تتجنب رفع دعاوى تشهير أو قذف وتتقبل انتقادات المواطنين العاديين''، وفي حالة النزوع إلى هذا الإجراء، ألح على ''وجوب الاكتفاء بمبدأ التعويض المادي والاعتذار بدل أحكام السجن''. وحازت أحكام قانون الإعلام ووضعية الصحافة في الجزائر مساحة واسعة، من صفحات التقرير، ولفت إلى حالة ''الهشاشة'' التي تعيشها الصحافة في الجزائر، وأنه استقبل شكاوى العاملين في مهنة المتاعب من ظروف العمل والتي تقيّد حريتهم المهنية.. وضمّن الخبير الأممي تقريره انتقادات للتجربة الإعلامية الجزائرية، مؤكدا أيضا الاستنتاجات التي خلص إليها مهنيون وخبراء جزائريون، منها أن انتشار الصحف التي لا تحترم القواعد المهنية ساهم في تراجع مستوى نوعية الصحف الجزائرية، وأن الحصول على تكوين ملائم سيكون مفيدا لها. وأبدى المقرر أيضا انشغاله من نقص استقلالية الصحف المكتوبة، ولفت إلى أنه من أصل 80 عنوانا، 6 فقط يمكن اعتبارها مستقلة. وتابع أنه أبلغ (خلال لقاءاته) بأن الدولة وظفت هذه الصحف لتحجيم تأثير الصحف التي تنتقد الحكومة وتخفيف الأحكام التي تصدرها في حق سياساتها. وسجل أن السلطة توظف الإشهار العمومي وديون المطابع للتأثير على الخط السياسي للصحف الصغيرة، وأبرز أن يوميتي ''الوطن'' و''الخبر'' ممنوعتان من الحصول على الإشهار من الوكالة الوطنية للإشهار، وأوصى المقرر الأممي تبعا لذلك بمنح الوكالة الاستقلالية. ودعا التقرير مصالح الشرطة إلى كبح جماح نفسها عند التدخل لتفريق المظاهرات، وكرر بالمناسبة المطالب التقليدية للمنظمات الحقوقية الأممية وغير الحكومية برفع القيود على التظاهر، وخصوصا في العاصمة، وعلى تأسيس الجمعيات، وأوصى برفعها وتغيير أحكام قانون الجمعيات. ودعا المقرر الأممي إلى تمكين قناة الجزيرة القطرية من العمل بالجزائر، لكن الرد الحكومي بيّن أن قرار المنع مستمر لفترة طويلة، ولفتت الحكومة في ردها المودع لدى مجلس حقوق الإنسان الأممي، أن ''وسائل الإعلام التي تحترم قوانين الدولة الجزائرية وتشتغل بموضوعية واحترافية وتحترم أخلاقيات المهنة المتعارف عليها عالميا، لا تواجه أي مشكلة في الاعتماد، والجزائر وفق الرد الحكومي مثل بقية الدول ترفض الخلط بين الإعلام والتضليل''. وهاجمت الحكومة في ردها مضمون التقرير، مبرزة خيبتها من قراءته للوضع الجزائري، وتأسفت لكون الأحكام التي تضمنها لا يعكس بدقة روح التعاون والحوار الصادق والبناء مع الحكومة الجزائرية وتسهيلات السفر والاتصال التي حصل عليها خلال مهمته. وأعلنت رفضها للتوصيات الخاصة بإلغاء بعض أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، مشددة على أن ''لكل بلد الحق في اعتماد إستراتيجيته الخاصة للخروج من الأزمة''.