الفنان بارودي بن خدة أحد الأصوات القوية التي ظلت محافظة على طابع الأغنية الوهرانية الأصيلة، رغم فرص الشهرة والمال التي قدمت له على طبق من فضة، صوته يسافر بك قطعا إلى مصاف أعمدة هذا النوع من الغناء الذي تمتد جذوره إلى عقود من الزمن، رجل غيور على مدينته التي أحبها ورفض أن يهجرها حتى خلال السنوات الصعبة، لم يخف تذمره من الوضعية المهنية والاجتماعية التي يعيشها الفنان الجزائري عموما وبوهران خاصة، ضربنا له موعدا ليحل ضيفا على قراء جريدة “المساء”، فقبل الدعوة بصدر رحب وكانت لنا معه هذه الدردشة. ماذا يحضر بارودي بن خدة لجمهوره؟ في الحقيقة، هناك جديد، لأن الفنان لا يستطيع أن يتوقف عن العطاء مهما كانت المثبطات التي تحد من عزيمته، لكن ما جدوى ذلك إذا كان الطابع الغنائي الذي أؤديه صراحة لم يعد مرغوبا فيه لدى أصحاب شركات الإنتاج، وهم على حق، أنا لا ألومهم لأنهم يبحثون عن الربح، إنما ألوم الوزارة الوصية القائمة على قطاع الثقافة التي لم تدعمنا لأننا نؤدي طابعا غنائيا أصيلا ومهذبا يطرب المستمع ويثقفه في آن واحد.
ولدت الشهر الماضي في وهران نقابة ولائية للفنان المسرحي والسينمائي الحر بمبادرة من عدد من ممثلي ولاية وهران، فما رأيك؟ لا أريد أن أنظر نظرة سوداوية للأمور، لكن في رأيي من الصعب خلق نقابة تمثل فناني وهران وتدافع عن حقوقهم بوجود دخلاء عن هذه المدينة يمثلونها، بينما يعيش أبناؤها في الظل ويتجرعون مرارة التهميش، والغريب في الأمر أن حتى نقابة الفنانين بالعاصمة لايمثل فيها ولاية وهران فنان واحد يقطن بها، وهذا غير منطقي.
وماذا عن مهرجان الأغنية الوهرانية؟ مهرجان الأغنية الوهرانية لا يرقى إلى مستوى مهرجان يدوم أسبوعا كاملا، فهو لا يتعدى أن تكون ليالي الأغنية الوهرانية في ثلاثة أيام فقط، وينظم في قاعة للحفلات أو السينما لتتمكن العائلات الوهرانية المحبة للأغنية الوهرانية الأصيلة من الحضور والاستمتاع.
لماذا؟ لأن عدد الفنانين الذين يؤدون الأغنية الوهرانية يعدون على أصابع اليد ولا يستطيعون تنشيط الفعالية الفنية لمدة أسبوع، تلجأ مديرية الثقافة المنظمة للمهرجان للاستعانة بعدد من مغني الراي قصد تنشيطه، الأمر الذي أزعج أغلب الفنانين الذين شاركوا خلال الطبعة الماضية، كذلك تنظيمه بمسرح الهواء الطلق جعل أغلب العائلات الوهرانية تعزف عن الحضور، واقتصر الجمهور على المغتربين والمصطافين الذين قصدوا وهران صيفا لقضاء العطلة، حسب سبر الأراء الذي قمنا به.
في تصورك، لماذا لم تأخذ بعد الأغنية الوهرانية حقها من الاهتمام والدعم؟ بالرغم من أن الأغنية الوهرانية مدرسة فنية مثلت الأغنية الجزائرية خلال سنوات العشرينيات، عندما سجل الشيخ حمادة عددا من أغانيه بمدينة برلين الألمانية سنة 1924 وهو من أدخل الشيخ العنقا للجزائر وشجعه على إدخال قصيدة الملحون التصوف في الطابع الغنائي الشعبي، واليوم أصبحت تتغني بالقصائد الصوفية وكذا عمالقة الأغنية الوهرانية المرحوم أحمد وهبي، الذي بدأ خلال الأربعينيات والأستاذ بلاوي الهواري ورابح رياسة الذي انطلق من وهران، ووردة الجزائرية التي تربت على أصوات فنانين يؤدون الطابع الوهراني عندما كان والدها يملك أحد الملاهي هناك، وكانت تستمع لغناء فنانين من أبناء وهران الذين كانوا يعيشون وقتها بفرنسا، ومع ذلك لم يعط لهذا النوع من الغناء المكانة التي يستحقها من قبل القائمين على رأس الثقافة ببلادنا أو بولاية وهران، وهذا مؤسف للغاية.
ماذا تنتظر من القائمين على الثقافة؟ يجب أن يشترك جميع فناني الأغنية الوهرانية مع الموسيقيين والتناقش حول كيفية المحافظة على هذا الطابع الغنائي، مع البحث في مشروع تكوين مدرسة بمقاييس عالمية قصد تدريس الموسيقي والأغنية الوهرانية، مع تكوين أصوات شابة تهوى الطابع الغنائي الوهراني.
أحد أبنائك موسيقي يلحن وصاحب صوت جميل، هل شجعته على دخول مجال الفن؟ نعم، شجعت ابني الأصغر عندما وجدت فيه الرغبة الملحة على دخول عالم الموسيقي ودراستها، وهو يشق طريقه حاليا ولا أبخل عليه بالنصيحة، وأمده بخبرتي عندما يحتاج لاستشارتي.
كلمتك الاخيرة. أتمنى من القائمين على رأس هذه الولاية الرائعة والمعطاءة أن يدركوا قيمتها ويثمنوا فنانيها ومبدعيها.