استقبل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بمقر البيت الأبيض، أمس، العاهل المغربي، محمد السادس، في قمة أرادت الرباط أن تجعل منها نصرا دبلوماسيا لمملكة تواجه صعوبات كبيرة في تمرير مشروعها في الصحراء الغربية، بالإضافة إلى متاعب اقتصادية جعلتها لا تقدر على مواجهة تململ شعبي متنام. وكان يمكن لهذه القمة أن تدرج في خانة تحقيق اقتحام دبلوماسي لو لم يصاحبها جدل وانتقادات حادة بسبب تمادي الرباط في انتهاكاتها لحقوق الإنسان التي تتفنن أجهزتها الأمنية في اقترافها في المدن المحتلة. وحتى هذه الحملة كان يمكن أن تمر دون أن تحدث هذا الجدل لولا أن منظمات حقوقية عالمية ونوابا في الكونغرس وشخصيات أمريكية فاعلة دقت ناقوس الخطر إزاء هذه الوضعية عشية انعقاد هذه القمة. وتحركت مجموعات برلمانية جمهورية وديمقراطية وشخصيات سياسية وحقوقية امريكية وصحف فاعلة في الولاياتالمتحدة لتذكر الرئيس الامريكي باراك أوباما في أول قمة له بالعاهل المغربي بممارسة ضغوطه على هذا الأخير وعدم تلبية كل ما يريد تحقيقه من خلال هذه القمة أن لم يلتزم بوضع حد للانتهاكات اليومية التي تطال السكان الصحراويين التي لم تعد سرا على احد في ظل العولمة المعلوماتية التي كسرت جدار الصمت والعزلة المفروضة على هذا الإقليم المحتل. ولم تستطع مباركة بوعيدة، الوزيرة المغربية المنتدبة لدى وزير الخارجية، الدفاع عن الطروحات المغربية بل حتى إقناع رأي عام عالمي أصبح على اطلاع دائم بما يجري في المدن المحتلة عندما راحت تروج لفكرة أن ما يجري من تجاوزات حالات معزولة رغم أن تلك الممارسات أصبحت القاعدة الطاغية في تعامل المخزن المغربي مع صحراويين يرددون صباح مساء أنهم لا يمكن أن يكونوا مغربيين وأنهم يريدون الاستقلال وتقرير المصير. ووجدت المسؤولة المغربية وكل المملكة في حالة دفاع عن النفس بعد أن تحركت كل الجمعيات والمنظمات ونواب مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الامريكي لمطالبة الرئيس أوباما وبصوت واحد "اضغط على الملك حتى يمتثل للشرعية الدولية وان يتعهد بوقف الحملات القمعية ويفتح حدود الصحراء الغربية أمام المراقبين ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. وتصر هذه الأطراف بان تعيد الولاياتالمتحدة طرح مشروع لائحتها الداعي الى توسيع مهام بعثة مينورسو ليشمل آلية للدفاع عن حقوق الإنسان. وانفضح أمر الوزيرة المغربية عندما راحت تعيد التأكيد على رفض الرباط لمثل هذه الفكرة بدعوى أن ذلك سيفتح الباب أمام الإرهاب وبدعوى أن المنتسبين إلى جبهة البوليزاريو إرهابيون. ولم تجد المسؤولة المغربية حرجا في القول بمثل هذا الطرح وكأن الولاياتالمتحدة لا تعرف حقيقة جبهة البوليزايو ولولا ذلك لما طالبت شهر أفريل الماضي بإنشاء تلك الآلية لاقتناع المغرب أن خطوة كهذه ستخلط عليها حساباتها وتنفضح ممارساتها وحينها سيكون للصحراويين الحق في كشف قناعاتهم الاستقلالية ولا يكون لأجهزة الأمن المغربية المجال لقمعهم وتوجيه تهم الخيانة ضدهم كيفما شاءت. ثم كيف لدولة مغربية أن تتفاوض مع جبهة تحررية وهي تعلم أنها إرهابية وتعترف بها كطرف في نزاع مطروح أمام الهيئات الدولية؟ وإذا سلمنا أيضا بمقاربة الرباط فيما يخص إنشاء آلية لحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية فهل مطلب معتقلي مخيم اكديم ايزيك القابعين في سجون الاحتلال بتقرير المصير أو تحسين أوضاعهم المعيشية إرهابيون من منظور المنطق المغربي الذي يأخذ دائما مفهوم حقوق الإنسان إلا من الزاوية التي تخدم مقارباته الواهية. وإذا أخذنا بالمنطق المغربي المقلوب بخصوص هذه القضية الحساسة فهل الرباط الوحيدة التي على حق والجميع على خطأ عندما تحرك المجتمع المدني الامريكي ومنظمات حقوقية غربية لفضح ما يجري في الصحراء الغربية؟ وجاءت تصريحات كاتلين توماس، المستشارة القانونية الأمريكية السابقة في بعثة مينورسو، لتدحض الزعم المغربي عندما أكدت أن المغرب يرفض تنظيم استفتاء حول تقرير المصير بالصحراء الغربية كونه يخشى بشدة أن يفوز خيار الاستقلال في الانتخابات. ورفضت المتحدثة التي تابعت عن كثب الملف الصحراوي على مستوى هذه البعثة الأممية الطرح القاضي بأن الاستفتاء لم ينظم بسبب الاختلافات بين المغرب وجبهة البوليزاريو حول تشكيلة القوائم الانتخابية. وقالت إن المغرب أبدى منذ البداية مماطلة وتعمد وضع عراقيل بالرغم من التنازلات العديدة التي استفاد منها ليس فقط في إعداد القائمة الانتخابية بل أيضا في الخيارات المدمجة في الاستفتاء. وهل صحيفة بحجم "واشنطن تايمز" الأمريكية على خطأ ويبقى الملك المغربي فقط على صواب عندما أكدت أن المغرب إذا كان بلدا صديقا لأمريكا فإن هذه العلاقة لا يجب أن تبعد الولاياتالمتحدة عن قيمها وتجعلها تلتزم "الصمت" أمام انتهاكات حقوق الإنسان الصحراوي من طرف المغرب؟ وهل كان من العبث أن تنزل مقالا مطولا عشية زيارة الملك المغربي إلى الولاياتالمتحدة للتحدث عما يجري من انتهاكات في المدن الصحراوية المحتلة. وأكدت أنه يجدر بالعاهل المغربي الاستعداد للرد على أسئلة تعد سياسته بشأنها "متناقضة تماما" مع القيم والمصالح الأمريكية أي الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والوضع في الصحراء الغربية. وذهب صاحب المقال إلى حد التأكيد أن استمرار احتلال الصحراء الغربية من قبل المغرب وسوء معاملة الصحراويين عبارة عن مشاكل بالغة الأهمية بالنظر لخطورتها وأنه ينبغي على الرئيس أوباما إبلاغ العاهل المغربي بوضوح أنه موافق على اللوائح الأممية التي يجب بموجبها تقرير وضع الصحراء الغربية عن طريق الاستفتاء. ورفضت الصحيفة فكرة الحكم الذاتي التي يريد المغرب فرضها بدلا من قبوله تقرير مصير الشعب الصحراوي. وأكدت في مقارنة مع تاريخ الولاياتالمتحدة بأن مؤسسي الولاياتالمتحدة لم يكونوا ليقبلوا حتما بمثل هذا العرض الخاص "بالحكم الذاتي" ضمن الإمبراطورية البريطانية في 1776 تماما كما هول الحال بالنسبة للشعب الصحراوي الذي يريد أيضا اتفاقا مماثلا يعيد له وطنه المسلوب.