يكشف رد الوزير الأول السيد عبد المالك سلال على محاولي تأويل الزيارات الميدانية التي يقوم بها إلى مختلف ولايات الوطن، بأنها حملة انتخابية مسبقة للحراك السياسي، الذي بدأ مع بداية العد التنازلي لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن يبدو أن أصحاب هذا الحراك هم الذين بدأوا حملاتهم المسبقة من خلال الترويج لأفكار تحاول التقليل من الجهود المنصبة في إطار الاستجابة لانشغالات المواطنين. والواقع أن هذه التأويلات تعكس الفراغ الذي تعاني منه الساحة السياسية بسبب النشاط المناسباتي الذي عوّدتنا عليه التشكيلات الوطنية، ولا يمكن تفسير طعن بعض الأطراف في الجهود المبذولة سوى بأنه لفت للانتباه؛ تمهيدا للدخول في هذا المعترك الانتخابي. ولا نعتقد أن مثل هذه التأويلات قد أصابت هدفها؛ من منطلق أن الزيارات الميدانية شكلت دوما تقليدا في سياسة الحكومة، التي وضعت ضمن أولوياتها التقرب من المواطنين والاستماع لانشغالاتهم، بل إن القيام بمثل هذه الزيارات شكّل تقليدا أرساه رئيس الجمهورية، الذي دأب على متابعة تنفيذ المشاريع التنموية عند الإعلان عن المخططات الاقتصادية الضخمة بطلب من المواطنين أنفسهم، الذين يطالبون بلقاءات مع المسؤولين من أجل إيصال انشغالاتهم وتقديم اقتراحاتهم لإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم. وعليه لا يمكن اعتبار زيارات الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، الذي قطع على نفسه وعدا بزيارة 31 ولاية قبل نهاية السنة، سوى بأنها استكمال لهذه السياسة، وهو ما أكده خلال زيارته الأخيرة إلى ولاية غليزان، عندما أشار أمام فعاليات المجتمع المدني بهذه الولاية، إلى أنه ملزَم بتنفيذ البرنامج الرئاسي، مثلما تعهّد بذلك أمام رئيس الجمهورية والبرلمان. كما أنه من الطبيعي أن تعمل أي حكومة على إبراز إنجازاتها والدفاع عنها؛ كونها ملزمة بتقديم حصيلة أعمالها في آخر المطاف، مثلما أشار إلى ذلك رئيس الهيئة التنفيذية، الذي كشف عن عرض حصيلة البرامج التنموية في مختلف الولايات بداية السنة القادمة، ويمكن عند ذاك توجيه الانتقادات والملاحظات، لا سيما أن الأمر يتعلق بصرف أموال من خزينة الدولة من أجل الدفع ببرامج التنمية. وكثيرا ما أثيرت هذه النقطة في تحليلات من يفسرون هذه الزيارات الميدانية، بأنها حملة انتخابية مسبقة مموَّلة من الخزينة العمومية، وهو ما نفاه أول أمس وزير المالية السيد كريم جودي، على هامش جلسة مناقشة قانون المالية بمجلس الأمة، عندما أكد أن الأغلفة المالية التي تستفيد منها الولايات في إطار زيارات الوزير الأول، تُحسب في إطار البرامج التكميلية المخصصة لهذه الولايات. ومن هنا تكون هذه الأطراف قد أوقعت نفسها في موقف حرج، لن يكرّس في حقيقة الأمر سوى مواطن ضعفها، في الوقت الذي كان يُفترض أن تسعى منذ الآن لصياغة البدائل الملائمة، التي يمكن بواسطتها إقناع المواطن، الذي يتطلع دوما لتحسين مستواه المعيشي والاستجابة لاحتياجاته الاجتماعية. وقبل ذلك، كان من الأجدى لهذه الأطراف أن تطور أساليب العمل السياسي بدل حصر أنشطتها في لقاءات مناسباتية سرعان ما تفرغ من محتواها بمجرد أن يكتشف المواطن بأن أهدافها لا تخرج عن نطاق المصالح الضيّقة، ولعل في سعي 19 حزبا سياسيا مؤخرا لتشكيل جبهة معارضة سياسية موسعة تشمل ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، محاولة لتدارك هذه النقائص بأبعادها المختلفة؛ كون المسألة مرتبطة بالدرجة الأولى بإثبات الذات وإحراز مكانة في الساحة السياسية. ومن هذا المنطلق، يبرز تحدّي إعادة الهيكلة السياسية كأولوية في النشاط الحزبي في الوقت الراهن، من خلال استخلاص التجارب الماضية وعدم الوقوع في الأخطاء التي حالت دون تمكينها من إقناع المواطنين بسبب افتقاد برامجها لرؤية واقعية رغم أن بعض الشخصيات التي انضمت للمبادرة السياسية مؤخرا، قد سبق لها أن شغلت مناصب عليا في السلطة، وكان بإمكانها أن تقدم تصورات ملموسة لكافة الانشغالات.