هل نصدق زعم الحكومة الاسرائيلية بمنح الجهود المصرية فرصة لإنجاح مساعيها للتوصل الى هدنة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؟ يبقى التساؤل محوريا بحكم التجربة في التعامل مع مواقف الحكومات الإسرائيلية المتقلبة وأيضا بحكم معطيات الواقع الميداني الحالية التي تدحض المزاعم الاسرائيلية بالبحث عن السلام مع الفلسطينيين. ولا يجب الذهاب بعيدا للحكم على زيف هذه الادعاءات في ظل استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على سكان القطاع وكان آخرها استشهاد ثلاثة فلسطينيين من بينهم الفتاة هديل السميري التي لم تتعد سن ال10 من العمر. والاكثر من الجرائم المتلاحقة المقترفة من طرف قوات الاحتلال في قطاع غزة فإن واقع الحال في اسرائيل خاضع هذه الايام تحت ضغط فكرة اجتياح هذا الجزء من الاراضي الفلسطينية ضمن أوسع عملية عسكرية لردع حركة حماس ومنع الاجنحة المسلحة في مختلف فصائل المقاومة من استهداف المواقع والمستوطنات اليهودية بصواريخ القسام. وزعم عدد من مسؤولي الحكومة الاسرائيلية أمس، أنهم سيمنحون الطرف المصري فرصة اتمام مساعيه للتوصل إلى هدنة في قطاع غزة في الوقت الذي طالبت فيه قواتها البقاء على أهبة الاستعداد تحسبا لشن هجوم الحسم ضد سكان القطاع المحاصرين منذ عام. وتكون إسرائيل وفق هذه المعادلة المتناقضة قد فضحت زعمها بتمكين المساعي المصرية من الوصول الى نهايتها بعد أن انتهجت سياسية العصا والجزرة في التعامل مع حركة المقاومة الإسلامية وسلطت سيف آلتها الحربية على رقاب الفلسطينيين. واجتمع مجلس الأمن القومي الاسرائيلي امس، في اجتماع طارئ لبحث عدة خيارات للتعامل مع الاوضاع في قطاع غزة طغت عليها بشكل اساسي فكرتا الاجتياح الواسع والهدنة. والواقع ان ادارة الاحتلال بشروطها المسبقة لا تريد التوصل الى هذه الهدنة بقدر ما تعمل على اجهاضها في مهدها وقطع الطريق امام اية فرصة لتحقيقها. والأكثر من ذلك فإن حكومة أولمرت وفق هذا المنطق وضعت الجانب المصري في موقع حرج وضيقت من هامش المناورة لديه رغم أن الكرة ما زالت في معسكرها وقد كان عليها قبول فكرة وقف المواجهات لما عرضت عليها لأول مرة قبل ثلاثة اشهر وليس انتظار كل هذه المدة لإصدار موقف طغت عليه لغة المناورة وفضح نيتها في التعاطي مع فكرة الهدنة التي اقترحها الفلسطينيون بحسن نية. ويتذكر كل المتتبعين العراقيل التي وضعتها إسرائيل امام هذا العرض والجهود المصرية عندما ربطت مسألة الهدنة بقضية الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط الاسير لدى احدى فصائل المقاومة في مكان ما من قطاع غزة، وهو ما وصفته حركة حماس في حينه بالشروط التعجيزية. واعتبرت الحركة أن اعلان حكومة الاحتلال امس حول الهدنة يفتقد للجدية اللازمة في التعامل مع مسألة حساسة وذات اهمية. وقال سامي ابو زهري الناطق باسم حركة حماس في قطاع غزة، أن الاعلان الاسرائيلي يفتقد للجدية من منطلق أن الاحتلال يواصل اعتداءاته اليومية ضد الفلسطينيين وخلفت خلال يومين سقوط ستة شهداء بالاضافة الى وضعه لشروط وعقبات تعرقل التوصل الى اية هدنة". واضاف قيادي حركة حماس أن اسرائيل تقول الشيئ ونقيضه في آن واحد فهي من جهة تقول بهدنة ولكنها في نفس الوقت ترفع ورقة التهديد للقيام بأوسع عملية عسكرية ضد القطاع وهو ما يؤكد أن زعمها بالبحث عن هدنة غير عقلاني ولا جادة" . ويصب اجتماع مجلس الامن الاسرائيلي امس، في سياق تأكيد تصريحات ابو زهري. ويكفي ان نعرف اسماء المسؤولين الاسرائيليين الذين حضروا اجتماع هذا المجلس لندرك جيدا زيف الادعاءات الاسرائيلية بعد ان حضره بالاضافة الى رئيس الوزراء ايهود اولمرت الساعي الى ارضاء خصومه من الاحزاب الاخرى والضاغطة من اجل شن اوسع هجوم على غزة كل من وزير الدفاع ايهود باراك اليميني المتطرف ووزيرة الدفاع تسيبي ليفني المعروفة بمواقفها الاكثر تطرفا ضد العرب ووزير شؤون الامن الداخلي يوفال ديسكين ورئيس هيئة اركان الجيوش الاسرائيلية الجنرال غابي اشكينازي، ندرك أن فكرة الهدنة قد طرحت عرضا في هذا الاجتماع وأن النقاش العام يكون قد ركز على طريقة شن الهجمات ومدتها والاهداف المسطرة تحقيقها. وتكون ادارة الاحتلال قد استعملت فكرة منح فرصة لتحقيق الهدنة كخدعة للاحتفاظ بسرية ساعة الحسم النهائي لشن اعتدائها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وذلك غير غريب على ادارة احتلال لا تتراجع امام أي شيئ وبكل الوسائل لتحقيق اهدافها. وتتقاطع هذه الفكرة مع التصريحات التي ادلى بها حائيم رامون مدير مكتب الوزير الاول الاسرائيلي الذي اكد ان عامل الوقت لم يعد يخدم المصلحة الاسرائيلية وهو ما يحتم عليها القيام إن آجلا او عاجلا بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة.