ترحل عنا سنة 2013 مخلّفة سجلا حافلا بالأحداث السياسية المميزة، من أبرزها نهاية فترة قيادة زعماء سياسيين لأكبر الأحزاب على الساحة الوطنية، على غرار "الأفلان"، "الأرندي" و«حمس"، وما صاحبها من تصدعات وأزمات عرفت بدايتها ونهايتها أيضا في نفس السنة، غير أن مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وما ترتّب عنه من حالتي قلق وترقب مثيرين عاشهما الجزائريون، يبقى يشكل أبرز حدث طغى على هذا العام، الذي بدا على الجزائريين بتحدٍّ أمني خطير، استطاعت الجزائر تجاوزه بفضل احترافية جيشها، إثر الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مركّب الغاز بتيقنتورين، وانتهى بمكسب إضافي يُحسب للدبلوماسية الجزائرية ولقطاع العدالة بعد استلام المسؤول الأول عن فضيحة القرن عبد المومن رفيق خليفة، الذي كان في قبضة العدالة البريطانية منذ 10 سنوات. سنة 2013 التي دخلت على الجزائريين، وقد تحققت للبلاد أشواط كبيرة في مسار برنامج تعميق الإصلاحات السياسية، بعد المصادقة على كافة القوانين التي تضمّنها هذا البرنامج، كان يُفترض أن تشهد التتويج النهائي لهذا المسار، من خلال تعديل الدستور المقرر ضمن نفس المسعى، غير أن هذه السنة عرفت أحداثا مفاجئة، كان لها وقعها على الأحداث الوطنية بصفة عامة، وأثرت نوعا ما في حركية الحياة السياسية بصفة خاصة..
جانفي 2013.. الاعتداء الإرهابي على مركّب الغاز لتيقنتورين استقبل الجزائريون عام 2013 بأخطر تحدّ أمني واجه البلاد منذ أن تم إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في 2005، ويتعلق الأمر بالهجوم الإرهابي على مركّب الغاز "تيقنتورين" بعين أميناس بولاية إليزي في 16 جانفي 2013، والذي نفّذته مجموعة إرهابية مشكَّلة من 32 عنصرا يحملون 8 جنسيات، من بينهم ثلاثة جزائريين، و11 تونسيا، علاوة على مصريين وماليين ونيجريين وموريتانيين وكنديين، مدججين بأحدث الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وراح ضحيته 37 رعية أجنبية وشاب جزائري مكلف بأمن قاعدة الحياة. وفي وقت كانت الحادثة محل أنظار العالم أجمع، ولا سيما القوى العظمى التي كانت تتوقع نهاية مأساوية وكارثية لهذا الهجوم، الذي قررت الجزائر مجابهته بإمكاناتها الخاصة ورفضت تدخّل المصالح الأمنية الأجنبية، أثبتت القوات الخاصة الجزائرية نجاعتها في مواجهة هذا الاعتداء الإرهابي وخبرتها العالية في التعامل مع أي تهديد إجرامي يستهدف مصالحها، حيث تمكنت من إنهاء عملية التدخل بنجاح، وتحرير المركّب من قبضة الإرهابيين الذين تم القضاء على 29 منهم، والقبض على 3 آخرين، كشفت التحقيقات معهم بأن التخطيط الإجرامي الذي دُبر للعملية، كان يستهدف إحداث كارثة بالمنطقة من خلال تفجير المركّب الغازي الضخم، الذي يشتغل به 790 شخصا، من بينهم 134 عاملا أجنبيا من 26 جنسية مختلفة.. ومرة أخرى أثبت تفاعل الجزائريين مع التطورات المتسارعة التي رافقت عملية الاعتداء الإرهابي على المنشأة الغازية لتيقنتورين وصرامة الجيش الوطني الشعبي في التعامل مع الواقعة، مدى تلاحم الجزائريين وتمسّكهم بوحدة بلادهم والدفاع عنها ضد أي محاولة لزعزعة استقرارها، ورفضهم القاطع لمجرد كلام ينتقص من قيمة دولتهم ويشكك في قدرتها على التصدي للتهديدات..
27 أفريل 2013.. رئيس الجمهورية يتعرض لنوبة إقفارية امتحان آخر عاشه الجزائريون أسابيع قليلة بعد حادثة عين أمناس، تمثل في إصابة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، بوعكة صحية، استدعت نقله يوم 27 أفريل 2013 إلى المستشفى العسكري محمد الصغير نقاش بعين النعجة، حيث كشفت الفحوصات الأولية التي أجريت له، الطابع الإقفاري للأزمة دون أثر على الوظائف الحيوية. وقرر الجهاز الطبي المكلف بمتابعته، نقله إلى مستشفى "فال دوغراس" العسكري بالعاصمة الفرنسية باريس لإجراء فحوصات إضافية. وبعد عملية العلاج التي تلقّاها ب "فال دوغراس"، أوصى الأطباء رئيس الجمهورية بضرورة الخضوع لفترة علاج إضافي، وإعادة تأهيل وظيفي بمؤسسة "ليزانفاليد" الفرنسية. وخلال فترة 81 يوما التي قضاها خارج الوطن لتلقّي العلاج، عاش الجزائريون فترة ترقب وقلق شديد على صحة الرئيس بوتفليقة، وذلك في ظل حملة تشكيك صاحبت غيابه عن الساحة، واستغلتها الألسن الحادة لنشر الإشاعات وتقديم التأويلات حول حالته الصحية؛ الأمر الذي دفع بالوزير الأول عبد المالك سلال، إلى التدخل في مرات متكررة لطمأنة الجزائريين حول صحة رئيسهم، كما اضطرت مصالح رئاسة الجمهورية لإصدار نشريات مقتضبة لتأكيد التطور الإيجابي للحالة الصحية للرئيس بوتفليقة. وفي سياق إزالة اللبس حول الموضوع ودحض الافتراءات، بثت وسائل الإعلام الرسمية يوم 12 جوان 2013، صورا للرئيس بوتفليقة بمؤسسة "ليزانفاليد" عند استقباله للوزير الأول عبد المالك سلال ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي أحمد قايد صالح، وهي الصور التي أعادت الاطمئنان إلى نفوس الجزائريين، الذين لم يتأخروا في التعبير عن فرحتهم لهذا الظهور، وخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ليعود الرئيس بوتفليقة إلى أرض الوطن في 16 جويلية 2013، حيث يتابع منذ ذلك الحين فترة راحة وإعادة تأهيل، تتخللها من حين لآخر بعض النشاطات المرتبطة باستقبال الشخصيات الوطنية والأجنبية التي زارت الجزائر، فضلا عن ترؤّسه بعض النشاطات الرسمية على غرار اجتماعي مجلس الوزراء المنعقدين نهاية سبتمبر الماضي، أول أمس الإثنين.
7 أفريل 2013.. تنصيب لجنة صياغة التعديل الدستوري شهدت سنة 2013 تنصيب لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مسودة مشروع التعديل الدستوري، وكُلف الوزير الأول بتنصيبها الرسمي يوم 7 أفريل الماضي، وقد ضمت اللجنة التي تولت دراسة مختلف المقترحات التي ساهمت بها التشكيلات السياسية والتنظيمات الوطنية حول الموضوع، في إطار سلسلة المشاورات السياسية التي قادها رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح، خبراء في القانون وشخصيات أكاديمية مشهود لها بالكفاءة العالية، منهم رئيس اللجنة وزير العدل الأسبق عزوز كردون، وفوزية بن باديس، بوزيد لزهري، غوتي مكامشة وعبد الرزاق زوينة. وراعت عملية تشكيل هذه اللجنة الفاعلية في تأدية هذه المهمة والحياد التام عن أي تأثير سياسي، لا سيما أن دور هذه اللجنة هو دور تقني، يشمل الصياغة القانونية للمقترحات. وفيما أكدت العديد من المصادر بما فيها الرسمية بأن اللجنة استكملت قبل أسابيع عملها بالانتهاء من صياغة مسودة تعديل الدستوري، لايزال الجدل قائما في المقابل حول التوقيت الذي سيتم فيه الإعلان عن تجسيد هذا التعديل سواء قبل رئاسيات 2014 أو بعدها، مع العلم بأن القرار النهائي في هذا الخصوص، يعود بشكل حصري لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.
11 سبتمبر 2013.. رئيس الجمهورية يُجري تعديلا وزاريا أجرى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في 11 سبتمبر الماضي، تعديلا حكوميا مس وزارات سيادية على غرار الدفاع، الداخلية والعدل، فيما تم تجديد الثقة في الوزير الأول عبد المالك سلال. وضمت قائمة الوزراء التي شملها التعديل 11 وزيرا جديدا، مع تعيين الفريق أحمد قايد صالح نائبا لوزير الدفاع الوطني، وهو المنصب الذي تم استحداثه لأول مرة في تاريخ الجزائر، مع منحه صلاحيات أوسع من تلك التي كانت منوطة بكاتب الدولة المكلف بالدفاع الوطني. كما ميز القائمة الجديدة للوزراء ترقية أربعة ولاة إلى منصب وزير، ويتعلق الأمر بكل من عبد الوهاب نوري والي ولاية تلمسان، الذي أصبح وزيرا للفلاحة والتنمية الريفية، عبد المالك بوضياف والي وهران، الذي أصبح وزيرا للصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، نور الدين بدوي الذي شغل منصب والي قسنطينة قبل ترقيته إلى وزير للتعليم والتكوين المهنيين، ومحمد الغازي والي عنابة الذي أصبح وزيرا لدى الوزير الأول مكلف بإصلاح الخدمة العمومية، وهي الوزارة الجديدة التي استُحدثت للتكفل بمسعى إصلاح المرفق العام والتقليص من الآثار السلبية لآفة البيروقراطية. وتبع التعديل الوزاري قيام رئيس الجمهورية بحركة جزئية في سلك الولاة مست 15 ولاية، وشملت تحويل 9 ولاة وترقية أمينين عامين و4 ولاة منتدبين إلى ولاة، ورئيسي دائرة إلى واليين منتدبين، فيما تم تعيين والي غرداية في منصب الأمين العام لولاية الجزائر، وتكليف والي سطيف سابقا عبد القادر زوخ بإدارة شؤون عاصمة البلاد.
الأفلان والأرندي.. البداية والنهاية لأزمة شغور منصب الزعامة حملت بداية سنة 2013 بخار الغليان السياسي الذي اشتعلت ناره نهاية العام الماضي، داخل بيتي أكبر حزبين في الجزائر، وذلك بفعل استمرار عصيان المنشقين عن طاعة كل من أحمد أويحيى الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، وعبد العزيز بلخادم الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير والوطني، فإذا كان الأول قد أعلن طواعية قرار الاستقالة من قيادة التجمع الوطني الديمقراطي في 13 جانفي الماضي، وذلك تبعا للضغط الذي مارسته عليه مجموعة من المعارضين لسياسية تسييره للحزب، فإن الثاني فاجأته اللعبة الديمقراطية بتنحيته الشرعية عن طريق الصندوق خلال أشغال الجولة الأولى من الدورة السادسة للجنة المركزية للحزب. وإذ شرّفت مهام قيادة الأمانة العامة بالنيابة للأرندي عبد القادر بن صالح الذي تولى مهام تحضير المؤتمر الرابع، بحصوله على التزكية الكاملة لتولّيه رسميا منصب الأمين العام للتجمع بمناسبة المؤتمر الرابع للحزب، فإن الدور الذي سعى إلى لعبه منسق المكتب الوطني للأفلان عبد الرحمان بلعياط، لم يمكّنه ولا جماعته من اعتراض صعود الرئيس الأسبق للمجلس الشعبي الوطني عمار سعداني إلى منصب الأمين العام للحزب العتيد، ليطوي بالتالي كل من الأفلان والأرندي أزمتيهما الداخليتين في السنة نفسها. وعلى خطى زميليه فيما كان يعرف التحالف الرئاسي، قرر رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، تطليق كرسي قيادة الحركة، وفسح المجال للقيادات الشابة لتولّي المنصب، وهو السيناريو الذي انتهى بتزكية عبد الرزاق مقري رئيسا للحركة خلقا لسلطاني، الذي وُجهت له انتقادات لاذعة بعد النتائج الهزيلة التي حصل عليها الحزب بتكتّله مع حزبين آخرين في تشريعيات ومحليات 2012.
22 أكتوبر 2013.. أول عيد وطني للصحافة أحيت أسرة الإعلام والصحافة في الجزائر، في 22 أكتوبر الماضي، عيدها الوطني الأول، بعد إقراره من قبل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، بموجب المرسوم الرئاسي الذي أصدره في 18 ماي 2013، وذلك دعما للتدابير العملية التي يجري تجسيدها في إطار مسار تعميق الإصلاحات السياسية، ويحتل فيها مسعى تحرير قطاع الإعلام وتعزيز مكاسب حرية التعبير والصحافة، مركزا محوريا. ويأتي ترسيم اليوم الوطني للصحافة، الذي اختار له الرئيس بوتفليقة يوم 22 أكتوبر، تخليدا لتاريخ صدور أول عدد من جريدة "المقاومة الجزائرية" في 22 أكتوبر 1955، ليكرس الاهتمام المتزايد للسلطات العليا في البلاد لمجال ترقية حرية التعبير والصحافة وتعزيز الممارسة الديمقراطية، وذلك ضمن تطبيق برنامج الإصلاحات الذي يؤسس لمرحلة انتقالية جديدة دخلتها الجزائر عبر بوابة تحيين منظومتها التشريعية، ذات الصلة بترقية الحريات الفردية والجماعية، ودعم المكاسب الديمقراطية، وتجلت أولى مظاهرها في تغيّر المشهد الإعلامي في البلاد بظهور أولى القنوات التلفزيونية الخاصة، تأهبا للإقرار الرسمي لقانون السمعي البصري الموجود حاليا على مستوى مكتب المجلس الشعبي بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء في 29 سبتمبر المنصرم، في انتظار استكمال ما تبقّى من إجراءات تشمل، على وجه الخصوص، إصدار القانون الأساسي وبطاقة الصحفي وقانون الإشهار الجديد..
24 ديسمبر 2013.. العدالة الجزائرية تستلم عبد المومن خليفة قبل نهاية السنة بأسبوع فقط، سجلت سنة 2013 للعدالة الجزائرية مكسبا هاما، يتمثل في استلام رجل الأعمال الهارب على بريطانيا عبد المومن خليفة والمطلوب من قبل القضاء الجزائري، للمثول أمام مجلس قضاء البليدة، في إحدى أكبر قضايا الفساد التي عرفتها البلاد في هذا القرن، واصطُلح على تسميتها ب "فضيحة القرن"، فبعد عمل تفاوضي طويل بين القضاء الجزائري والبريطاني واستنفاد المتهم في قضية الاختلاس والتحايل وتشكيل جماعة أشرار وخيانة الثقة وتبديد الأموال، كل الطعون التي تقدم بها للإفلات من قبضة العدالة الجزائرية، تم تسليم رفيق عبد المومن خليفة للجزائر، ووصل إليها منهكا منهارا بعد قضائه 10 سنوات في السجون البريطانية، ليعاد بعد تسلّمه بالتالي، بعث أطوار جديدة من هذه الفضيحة، التي قد تكشف مستقبلا عن الأسرار الكامنة وراء قضية البناء والانهيار السريعين لإمبراطورية الاحتيال.
سلال يخطف الأضواء بنشاطاته المكثفة ولا يمكن الحديث عن أبرز ما ميّز سنة 2013 دون الإشارة إلى الشخصية المحورية التي صنعت أبرز الأحداث السياسية لهذا العام، والمقصود هنا الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي استطاع بنشاطه المكثف، أن يحمل عبء المهام الرسمية للدولة، وتمثيل الرئيس بوتفليقة أثناء فترة غيابه للعلاج والنقاهة أحسن تمثيل. فبغضّ النظر عن حضوره القوي والمنتظم في مختلف الأحداث الدولية التي شاركت فيها الجزائر، وتولّيه مهام استقبال قادة ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة التي استقبلتها الجزائر هذا العام، مع ضمان السير العادي لأجندة اللقاءات والمواعيد الثنائية المرتبطة بدفع التعاون والشراكة الثنائية ومتعددة الأطراف، لم يتوقف الوزير الأول عن زياراته الميدانية إلى ولايات الوطن، للالتقاء بالجزائريين في أعمق مناطقها، والاستماع إليهم وتسجيل انشغالاتهم، وتأكيد استمرار الدولة ومؤسساتها في العمل، وفق البرنامج المسطر من قبل رئيس الجمهورية وثباتها في التزاماتها المحفوظة في مخطط العمل المقدم أمام البرلمان، حيث يفرض هذا البرنامج على الحكومة الوفاء بكافة التعهدات التي لا تخرج عن إطار خدمة الوطن والمواطن، لاسيما من خلال دعم عوامل التنمية على المستوى المحلي، عبر تذليل كافة العراقيل التي تعترضها، بما فيها العراقيل المالية، وهو ما تبرره الأغلفة المالية التكميلية التي منحتها الحكومة في إطار زيارات الوزير الأول للولايات الولايات، والتي يفوق معدلها 30 مليار دينار، تم منحها لنحو 38 ولاية زارها سلال منذ نوفمبر 2012، وعرفت إقرار سلسلة من الإجراءات والتدابير الموجهة بشكل خاص إلى دعم تشغيل الشباب وضمان المساواة والتوازن التنموي بين الولايات، على غرار تسهيل وتحفيز النشاطات الاقتصادية على مستوى ولايات الجنوب، فضلا عن قرارات استعجاليه تدخل ضمن مساعي الحكومة لمحاربة البيروقراطية وتحسين أداء المرفق العام.