تنافس الدكاكين المصطفة على طول شارع ابن خلدون بوسط مدينة عنابة نشاط المساحات التجارية المفتوحة التي تعرف لدى العامة ب«البازارات”، فتلك الدكاكين تعرض مختلف السلع المستوردة خاصة من الصين. والملاحظ أن التحولات الجديدة والمتغيرات السريعة التي أفرزتها النشاطات الهامشية أو المناسباتية بالولاية فرضت منطقها بقوة على المحلات التجارية الفاخرة. يستغل معظم العنابيين السوق المفتوحة التي تحتوي على العديد من الدكاكين المصطفة التي تعرض شتى أنواع البضائع والسلع من أجل الاسترزاق من خلال امتهان بيع الألبسة المستعملة أو “الشيفون” وكذا بعض الأثاث القديم الذي عادة ما يحول إلى ورشة بشارع ابن خلدون لإعادة إصلاحه، طلائه وإعادة تسويقه من جديد في دكاكين الخردة، أو يتم قصده من أجل عملية الشراء للأسعار المعقولة التي تعرض بها السلع. تبدأ حركية التجارة الفوضوية بسوق الدكاكين عند السابعة صباحا، وتعود المدينة إلى الحياة مجددا بعد هدوء الليل، من خلال نشاط التجار وأصحاب الدكاكين الذين يعودون إلى نشاطهم مبكرا لترتيب السلع الجديدة التي تدخل مدينة عنابة قبل صلاة الفجر قادمة من سوق “دبي” لمدينة سطيف، وهي عبارة عن منتوجات محلية وأخرى صينية وتركية، لكن تبقى لعبة السين والجيم العنصر المحرك لشارع ابن خلدون الذي أصبح قبلة كل العائلات القادمة من الولايات الشرقية، خاصة قالمة، سكيكدة والطارف، إذ يجد الزوار مع حلول عطلة الشتاء خاصة ضالتهم لانتقاء بعض الألبسة التي تعرض بأسعار مقبولة، حسب الزبائن، ومنهم من يختار شراء “الشيفون” المستورد من فرنسا. توجهنا نحو “رحبة الدكاكين” بعنابة وسط في حدود الساعة الحادية عشر صباحا، كانت السوق مكتظة بالزائرين وأصوات الباعة تهز أرجاء شوارع المدينة المختنقة، وببحّة عنابية أخذ الباعة يتنافسون على انتقاء العبارات التي تجلب الزبون إليهم، حيث نسمع: “هذا نهارك يا زوالي”، “شوف ما تشريش”، إلى جانب عبارات تنم عن حاجة هؤلاء التجار غير الشرعييّن لبيع سلعهم قبل وصول الشرطة التي تدخل في مطاردة معهم بعد أن تصادر عرباتهم التي تحمل السلع وبعض المنتوجات، في الوقت الذي تغلق كل أبواب الدكاكين، خاصة غير المرخصة منها لممارسة مثل هذه النشاطات. بعد ساعة تعود حركة التجارة الهامشية من جديد، حيث ينجح الباعة المتجولون في ترويج كل سلعهم باتفاق مع أصحاب الدكاكين، مما يزيد من انتعاش مثل هذه الأسواق التي تعرض كذلك الذهب المقلد والهواتف النقالة التي أغلبها مسروقة، حسب شهادة بعض العارفين بخبايا سوق الدكاكين، حيث يتم بيعها بأسعار منخفضة، والغريب في الأمر أن الزبائن يشترونها ولا يسألون عن مصدر جلبها. كما يشكل الذهب المقلد أهمية كبيرة لدى العنابيات اللواتي يتربصن فرص بيعه بالسوق بهدف الشراء أو إعادة بيعه لمحلات المجوهرات أو حتى بيعه إلى المُقبلات على الزواج بأسعار في المتناول. وخلال جولتنا في سوق الدكاكين لاحظنا أن الدلالات، وهن نساء عارفات بأسرار الذهب الحقيقي والمقلد منه، وقفنا على أمر دخولهن في منافسة مع مروجّي الذهب المضروب لدرجة أن البائعات يستعملن خبراتهن في انتقاء الذهب وإعادة عرضه للبيع. نشير إلى أن العديد من الدكاكين بالسوق، لجأ أصحابها إلى تغيير طبيعة أنشطتها التجارية في ظل الحركية التجارية المكثفة بمدينة عنابة نحو ترويج الأقمشة الخاصة بالعرائس، مع استحداث مهنة “طراح” الأفرشة خاصة بالنسبة للمقبلات على الزواج، هي الأماكن المقصودة خلال الوقت الراهن لأن في “بونة” لا حدود للأعراس، وعليه يعول أهل العروس أو العريس على “الطراح” لصنع الوسادات والأفرشة الأخرى بعد تعبئتها بالصوف، كل هذه اللواحق تجدها حاضرة بقوة في “زنقة العرائس” وهي مكان موجود في سوق الدكاكين بشارع ابن خلدون بمدينة عنابة.