تعتبر عنابة قطبا صناعيا أسّس كمركز جذب لليد العاملة، حيث جاء السيل البشري من الجهات الأربعة فضاقت بونة خلال السنوات القليلة بقاطنيها، وكان من شأن تلك التحولات أن أفرزت ظهورا قويا لكثير من الأنشطة الهامشية التي ازداد عدد تجارها، أبرزها سوق شنطاطا الشعبي الذي يتوسط المدينة بمحاذاة المركز التجاري المعروف ب “كام“ الذي صنع التميز من حيث الخردوات التي استحوذت على أغلب زواياه. وحسب العارفين بتاريخه، فإن هذا السوق يمتد إلى بدايات التسعينيات، وازداد انتعاشه وذاع صيته منذ أن تم غلق سوق المدينة القديمة وتحويله. والمتجول في سوق شنطاطا سيعرف حتما أنه واجهة لمقياس مؤشر مستوى المعيشة بولاية عنابة، فأغلب مرتاديه من الفئة البسيطة، والكل بهذا السوق يتسابقون مع الزمن ويراهنون على تحقيق هامش ربح قليل. وفي هذا الوقت تجد الباعة يعرضون سراويل وساعات وأدوات إلكترونية وبراغي، هدفهم المشترك توفير بعض الدنانير التي من شأنها سد رمق الفقراء في مدينة لا تقدم نفسها إلا لمن يمتلك المال. وفي الجانب المقابل للمركز التجاري “كام“ تقابلك رحبة، وهي عبارة عن فضاء مفتوح على بيع الخردوات المسروقة وهو ما اكتشفناه خلال زيارتنا لهذا السوق الذي بدأ في التشكل بعد الثالثة زوالا. ويعرض على الزبائن الأقمصة الرياضية والساعات والهواتف النقالة المسروقة والشيفون، والكل يبحث عن طريقة مختلفة في ترويج سلعته قبل أن يبدأ الظلام باجتياح المدينة. ويدرك أبناء عنابة جيدا أن تلك السلع المعروضة في السوق أغلبها خردوات مسروقة، إلا أن ذلك لا يمنع الزبون من اقتناء بعض الأشياء مثل الأرائك والطاولات والثلاجات، وكلها سلع أسعارها مناسبة لأصحاب الدخل المحدود، خاصة الذين همهم الوحيد البحث عن أي قطعة أثاث تملأ فراغات الغرف بتكاليف أقل. ويظهر ذلك جليا من خلال لعبة السين والجيم، حيث يتقن الباعة لغة “البزنسة“ لاستقطاب الزائرين، فلهذه الأمكنة مفرداتها وطقوسها المميزة أيضا، وبنفس أساليب الجذب يتعامل الجميع على “باب ربي“، وفي الأخير يقتنع أغلب الناس بالسعر الأقل على الإطلاق، والباعة يقنعون بهامش ربح قليل. وكثير من الباعة ممن لفظتهم المدارس مبكرا وجدوا ملاذهم في سوق شنطاطا لترويج سلع مضروبة وأخرى مسروقة، حتى الحديد والنحاس استحوذا على مساحة أوسع بالسوق، وعليه يبقى السعر وحده المتحرك لا الثابت، فالثابت الوحيد في سوق الحطاب هو هذه اليوميات التي تمر متثاقلة ببساطة المعاملات التجارية، بها دفؤها المتجدد يوميا. وقبل أن يكتسح الظلام شوارع بونة تكون السوق قد أخلت سبيل الناس بعد أن اقتنوا كل احتياجاتهم، غير أن لسوق شنطاطا أخطاره، خاصة أنه تباع فيه الأشياء المسروقة التي تدخل صاحبها إلى أروقة المحاكم. ومن هنا تبقى الأسواق في عنابة بمثابة مؤشر حقيقي في التمييز بين طبقات المجتمع وواجهة حقيقية لقياس مستوى الفقر بجوهرة الشرق.