استعرض الوزيران خليدة تومي وزيرة الثقافة ومحمد بن مرادي وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي أمس بقصر الثقافة، مشروع المرسوم التنفيذي الذي صادقت عليه الحكومة الخميس الفارط، والمتعلق بتحديد وعاء ونسبة اشتراك وخدمات الضمان الاجتماعي، التي تعطي الحق للفنانين والمؤلفين الذين يتقاضون أجرا عن نشاط فني أو تأليفي، في التقاعد. وأكد السيد بن مرادي في تدخّله أمام جمهور غفير من الفنانين غاصت بهم القاعة الشرفية للقصر، أن هؤلاء المبدعين هم أحسن تمثيلا لبلادنا، لذلك كان من اللازم إعطاؤهم هذه الحقوق كبقية إخوانهم من الجزائريين، مضيفا أن الحكومة برئاسة السيد سلال، تبنت المشروع كنوع من العرفان لهذه الفئة من مجتمعنا، وبالتالي استطاعت أن تصحح "غلطة كبيرة" رغم تأخر الخطوة. من جهتها، أشادت السيدة خليدة تومي بهذا القرار، الذي صادقت عليه الحكومة يوم 9 جانفي 2014، مبيّنة أن المرسوم التنفيذي سيضمن التغطية الاجتماعية للفنانين والمؤلفين، الذين لم يسبق لهم وأن استفادوا من هذه الحماية من قبل ولم يمارسوا نشاطهم في إطار عقود العمل العادية، ولم تربطهم علاقات عمل عادية مع أية جهة موظفة كفيلة بمنحهم حق دفع مشتركاتهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو لم تكن لهم صفة تاجر، وبالتالي لم يكونوا مسجَّلين في الدفتر التجاري، الذي يؤهل أصحابه لدفع اشتراكاتهم في الصندوق الوطني للعمال غير الأجراء، أو أنهم لا يتمتعون بصفة الحرفيين الحاصلين على البطاقة التي تمنحها غرف الحرف والمهن للحرفيين المسجَّلين في دفتر الحرفيين، والتي تؤهلهم لدفع اشتراكاتهم في الصندوق الوطني للعمال غير الأجراء. بالمناسبة، استعرضت السيدة الوزيرة بعض الأمثلة المأساوية لفنانين أصيبوا هم أو أبناؤهم أو زوجاتهم بالعجز والمرض، دون أن يجدوا العائل؛ كأحد الفنانين التشكيليين الذي أصيبت زوجته وابنته بالمرض الخبيث ولم يتمكن من توفير العلاج والدواء لهما. قالت الوزيرة: "لم يكن المشكل في الفنان، بل المشكل كان في السلطات، التي لم تضع أمامه منظومة خاصة بالاشتراك، وبالتالي فإن الفنان بقي دوما يفكر في تقاعده مثلا، لكنه لم يجد القوالب والإجراءات القانونية المناسبة أو حتى الجهة التي يقصدها". وأكدت السيدة الوزيرة أن حق التغطية الاجتماعية للجزائريين، مكفول في كل دساتير الجزائر منذ فجر الاستقلال، منها المادتان 54 -55 من الدستور، اللتان تكرسان الحق في الحماية الصحية، والحق في العمل، والحق في الضمان الاجتماعي لكل المواطنين. ومن هذا المنطلق الدستوري أرست الدولة قانون الضمان الاجتماعي بموجب القانون 83-11، المؤرخ في 2 جويلية 1983، ونص على حقوق العمال مهما كانت طبيعتهم وفئاتهم في الاستفادة من الضمان الاجتماعي دون تمييز، وأحالت المادتان 5 و76 من هذا القانون، بعض الفئات من العاملين على منظومة إجرائية خاصة تحدَّد عن طريق التنظيم، لكن بقي الفنانون الأحرار بعيدين، لم يستفيدوا كغيرهم من هذه المنظومة المتعلقة بالحماية الاجتماعية، بقيت الأحوال كذلك إلى غاية 2005، حيث تم التحضير لهذا القانون واقتراحه من طرف وزارة الثقافة. وأوضحت الوزيرة أنه أصبح من الآن فصاعدا، بإمكان للفنانين دفع اشتراكاتهم لصندوق الضمان الاجتماعي، علما أن هذا المرسوم التنفيذي حدّد نسب وآليات التصريح والانضمام، وفق نماذج التصريح المرفقة بالمرسوم، والتي تتضمن كل البيانات التي يتعين الإدلاء بها في 3 نسخ معَدة. ويعترف هذا المرسوم التنفيذي بالنسبة للفنانين والمؤلفين المستقلين، بالحالات المرضية، وبحقهم في التقاعد، وبإمكان ذويهم من الاستفادة بحقوقهم. وأشارت الوزيرة إلى أن القانون لا يحمل أثرا رجعيا، وبالتالي سيستفيد منه الشباب. وتساءلت كيف سيكون مصير من تجاوز مشوارهم الأربعين والخمسين سنة، على غرار السيدة وهيبة والخزناجي والقبي وشافية بوذراع، وغيرهم كثيرون؟ لتعلن أن المادة 11 من هذا المرسوم، أرجعت حل هذا الإشكال إلى منظومة تكميلية، خاصة بدفع المستحقات على سبيل التسوية للسنوات الماضية، وسيتم الإعلان عنها في الأيام القليلة القادمة. في الأخير، شكرت الوزيرة السيد محمد بن مرادي الذي تكفّل بالملف وتبنّاه، وكذا الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، الذي برمج الملف في مجلس الوزراء الأخير، وقبله بصدر رحب. هكذا يتحقق الحلم بعد أكثر من 50 سنة من الاستقلال وبعد 9 سنوات نضال من وزارة الثقافة، ليتمتع فنانونا ومؤلفونا بكامل حقوقهم الاجتماعية المشروعة والمستحقة؛ باعتبارهم روح هذه الأمة الجزائرية ودرعها الحامي لهويتها الثقافية والتاريخية، لم يتغيبوا يوما عن واجباتهم الوطنية خاصة في الأوقات الصعاب والمحن. ولم تُخف الدولة الجزائرية عبر مؤسساتها الرسمية، مسؤوليتها في تأخر هذا الوضع، وبالتالي تصحيحه بكل الوسائل الممكنة، والاعتذار لهذا الفنان الجزائري، الذي أفنى حياته لتقديم رسالته النبيلة تجاه الوطن والشعب.