أبرز مجاهدون وأساتذة جامعيون الدور الكبير الذي لعبه الشهيد الدكتور بن عودة بن زرجب في خدمة وتطوير القطاع الصحي إبان الثورة التحريرية المجيدة بصفته أول طبيب شهيد ضحىّ بالنفس والنفيس من أجل الحرية والاستقلال. مشيدين بصفات وخصال الرجل ومثله العليا في الدفاع عن القيم والمبادئ الوطنية التي كرّسها بيان أول نوفميبر 1954. وأكد بعض رفاق درب الشهيد الدكتور بن زرجب في ندوة تاريخية احتضنها، أمس، منتدى "المجاهد" بالتنسيق مع جمعية "مشعل الشهيد"، حول التنظيم الصحي بالولاية التاريخية الخامسة. بمناسبة الذكرى ال58 لاستشهاده. أن هذا البطل الرمز كان له فضل كبير في دعم وتطوير مختلف مجالات التنظيم الخاص بالمنظومة الصحية لثورة التحرير المباركة، حيث أفنى عمره في ممارسة النشاط الطبي بصفته طبيبا كرّس جهوده في إطار صفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الخامسة التاريخية في علاج المجاهدين وتقديمهم العناية الصحية لهم في سرية تامة. وأوضح رفيق درب الرجل المجاهد والأستاذ الجامعي قنطاري محمد في تدخل له، أن الشهيد الدكتور بن زرجب كان من المجاهدين السباقين في الالتحاق بالثورة، حيث كان متفانيا في تأدية واجبه كطبيب في صفوف جيش التحرير، مضيفا أن ذلك لم يمنعه من استقبال المجاهدين والمناضلين السياسيين والمسبلين في عيادته الطبية الخاصة بتلمسان، أين كان يتباحث معهم مستجدات الثورة والتحضير للعمليات العسكرية ضد العدو الفرنسي.-على حد تعبيره-. وقال المجاهد قنطاري في هذا الإطار: "إن هذا الشهيد البطل كان يقوم إلى جانب ممارسته مهنة الطب إبان الثورة، بتكوين وتأهيل عدد كبير من المناضلين والمجاهدين في المجال الطبي والصحي والإسعافات الأولية بأعالي الجبال"، موضحا أنه التحق بصفوف الثورة باكرا، حيث فضل التخلي عن مقاعد الدراسة والتفرّغ بشكل تام لمساندة الثورة. كما أضاف أن الدكتور بن زرجب كان يستغل فرصة علاجه للمجاهدين والمناضلين في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني بعيادته، لاعلامهم بالتعليمات والأوامر التي كانت تصدر عن الهيئات المركزية لقيادة الجبهة. ودعا المتحدث، في السياق، إلى ضرورة تنسيق جهود كافة الهيئات التاريخية المعنية بكتابة التاريخ والأسرة الثورية لإعداد أشرطة وثائقية وأفلام ومطبوعات تعيد الاعتبار لتضحيات شهداء الجزائر في سبيل استرجاع الحرية والاستقلال، مشيرا إلى امتلاكه لقائمة اسمية تضم 20 طبيبا قدموا تضحياتهم خلال الفترة التاريخية من 1956 إلى 1962، واستشهدوا في ميادين الشرف. واختتم المتحدث تدخله بالإشارة إلى الأمراض المزمنة التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، مشددا في هذا الإطار، على ضرورة التزام فرنسا بمتابعة تطور هذه الأمراض والسعي لإعداد تقارير طبية مفصلة وبشكل دوري حول واقع الاصابات المسجلة لدى المواطنين جراء هذه التجارب النووية الفرنسية المخزية. وبدوره، أشاد المجاهد بن قبي بن صالح في تدخل له، بالخصال والصفات الحميدة التي كان يتصف بها الشهيد الدكتور بن زرجب، وإيثاره للآخرين من رفاق دربه في الكفاح، مذكرا بأن هذه الخصال التي كان ينفرد بها جعلته محل احترام وتقدير كبيرين لدى الكثير من المسؤولين العسكريين والسياسيين في جيش وجبهة التحرير الوطني. وأوضح بن قبي أن الشهيد كان مناوئا شرسا لكافة حملات الحصار والمتابعة التي كانت تنتهجها إدارة الاحتلال الفرنسي في تلك الفترة ضد المثقفين الجزائريين لاسيما الأطباء والممرضين ومختلف الأسلاك المنتمية إلى سلك الصحة، الأمر الذي جعله محل متابعة دائمة من قبل الشرطة السرية الفرنسية التي حاولت النيل عدة مرات -كما أضاف-. وكانت الندوة فرصة لفتح نقاش موسّع حول المسيرة التاريخية والنضالية لشهيد الثورة بن عودة الدكتور بن زرجب، حيث صبت كل تدخلات المجاهدين ورفاق درب الرجل حول أهمية تخليد اسم هذا البطل الرمز في المنظومة الصحية الوطنية وعلى المؤسسات الصحية التي ستفخر بحمله باعتباره قدّم النفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر. كما دعوا إلى تدوين وأرشفة تاريخ قطاع الصحة إبان الثورة التحريرية المجيدة، وجعله في متناول الأجيال الصاعدة. ويعد الشهيد الدكتور بن عودة بن زرجب طبيبا مناضلا سياسيا من مواليد التاسع جانفي 1921 بتلمسان أين تحصل على شهادة الباكالوريا سنة 1941، حيث واصل مساره الجامعي في تخصص علوم الطب بفرنسا. كما تحصل سنة 1948 على شهادته الجامعية في الطب، تخصص موضوع سرطان الدم. وعاد الدكتور بن زرجب إلى الجزائر بعد تخرجه من الجامعة الفرنسية لينضم إلى صفوف الثورة، حيث أسندت له مهام التكفل الصحي بالمرضى ومعالجة المجاهدين والمصابين، كما كان يستقبل الجرحى بمقر سكناه. وبعد نضاله الكبير في دعم الثورة من خلال نشر الوثائق والمناشير الدعائية والبيانات التحريضية، ألقت السلطات الاستعمارية القبض عليه وألقته في السجن، وتم إعدامه يوم 19 جانفي 1956 بدوار أولاد حليمة بالقرب من مدينة سبدو (تلمسان). وجاءت الندوة إحياء للذكرى ال58 لاستشهاد الشهيد بن زرجب وتخليدا لشهداء القطاع الصحي.