اختتم المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة في المدينةالمنورة بالمملكة العربية السعودية أعمال دورته الثامنة، باعتماد عدد من التقارير والوثائق ذات الصلة بالنهوض بالحقوق الثقافية في العالم الإسلامي، وفي هذا الإطار، اعتمد المؤتمر تقرير المدير العام للإيسيسكو حول تنفيذ الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، ودعا الإيسيسكو إلى مواصلة جهودها من أجل التعريف بهذه الإستراتيجية على أوسع نطاق في صيغتها المعدلة لدى جهات الاختصاص في الدول الأعضاء وهيئات المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية الموازية، مع تخصيص مزيد من الأنشطة والبرامج ضمن خطط عملها، لتفعيل مضامينها وتحقيق أهدافها في تعزيز العمل الثقافي الإسلامي المشترك وتطويره. حثّ التقرير جهات الاختصاص في الدول الأعضاء على تكثيف جهودها لتفعيل مضامين الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي وتوجّهاتها، واعتبار العمل الثقافي ضمن أولويات التنمية الشاملة، والعمل على زيادة المخصصات المالية العمومية ومساهمات القطاع الخاص لتمويل المشاريع الثقافية ذات الصلة بهذه الإستراتيجية. كما أشاد المؤتمر بجهود الدول الأعضاء التي تم الاحتفاء بمدنها عواصم للثقافة الإسلامية لسنتي 2012 و2013 في تخليد هذا الحدث، ودعا جهات الاختصاص في الدول الأعضاء التي سيتم الاحتفاء بمدنها عواصم للثقافة الإسلامية في السنوات المقبلة، إلى التنسيق مع الإيسيسكو وفيما بينها، مع الاستفادة من التجارب السابقة للعواصم المحتفى بها، للارتقاء بهذا البرنامج الثقافي الحضاري إلى المستوى المنشود، وفي سياق متّصل، اعتمد هذا المؤتمر الثامن مشروع الإعلان الإسلامي للحقوق الثقافية، وتضمن الإعلان تأكيدا على حق الإنسان في اختيار هويته الثقافية، ومعرفة ثقافته وتراثه وثقافات الآخرين وحرية الانتساب إلى أي جماعة أو مؤسسة ثقافية أو فكرية، وحرية الإنتاج المعرفي، والحق في الحماية المعنوية والمادية ذات الصلة بنشاطه الثقافي. وأكّد الإعلان على حرية تكوين المؤسسات، دراسة الثقافات، الحصول على المعلومة ونشرها والمشاركة في السياسات الثقافية، كما حدّد ما يترتب على الدول والحكومات من مسؤوليات إزاء الحقوق الثقافية ودعوتها إلى إدراجها ضمن تشريعاتها والعمل بمقتضياتها، وتوفير الأجواء الملائمة والإجراءات العملية لممارسة تلك الحقوق للفرد والجماعة، كما أشار إلى أنّ الحضارة الإسلامية تزخر بالنماذج التي تكفل الحقوق الثقافية للمسلمين وغير المسلمين، باعتبارها تأسّست على نظرة الإسلام الكلية حول الخالق الذي خلق الإنسان وجعله مستخلفا مُطوَّقا بأمانة إشاعة الخير، العدل والسلم للبشرية جمعاء، وبما أوجب عليه من واجبات وما له من حقوق بما يضمن تحقيق الكرامة الإنسانية. وأوضح الإعلان أنّ الحق الثقافي قد يكون مطلبا فرديا في بعض السياقات، إلاّ أنّ تفعيله جماعي بالضرورة، والدول مسؤولة عن ضمان الحقوق الثقافية من خلال التنصيص الصريح عليها في تشريعاتها، كما دعا المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين إلى أن يبادروا أو يتعاقدوا مع مؤسسات الدولة لتفعيل مضامينها، والسهر على توفير الظروف المناسبة لإعمالها، وتعزيز قدرات تنفيذها، وفتح المجال أمام كل من يسعى للاستفادة منها، بمن فيهم الشباب والنساء والأطفال، والفئات الهَشَّة اجتماعيا، والشعوب الأصلية، والأقليات الدينية، والأجانب والمهاجرين. كما أشار الإعلان إلى المادة الخامسة للإعلان العالمي لليونسكو بشأن التنوّع الثقافي، مؤكّدا على أنّه لا يحجب واقع ربط حقوق الإنسان بواسطة الحقوق الثقافية بأصولها وأنساقها وسياقاتها، وأنّ هذا الربط لا يمكنه أن يكون ذريعة لارتكاب خرق سافر لحق من حقوق الإنسان الأساسية وعلى رأسها كرامته. وشدّد الإعلان الإسلامي على أنّ كل حق ثقافي وارد فيه ليس حقا مطلقا غير مقيد بضوابط الانسجام مع منهج الإسلام في السلوك والعمل، ودعا إلى تحقيق أكبر قدر من التوافق مع المواثيق الدولية أو الإعلانات المماثلة بناء على قاعدة الإحترام المتبادل لخصوصيات كل ثقافة، واحترام حق اختيارات الدول لتشريعاتها ونظمها وفق تطورها الطبيعي، وبناء على مصالحها وثوابتها وتنوعها الثقافي وأمنها المجتمعي والثقافي. كما أكّد الإعلان أنّ تفعيل الحقوق الواردة فيه من شأنه أن يرسي دعائم مكافحة الآثار السلبية للعولمة ونزع فتيل التوترات الثقافية وضمان حقوق النساء والشباب والأطفال، والأقليات والفئات الضعيفة والأجانب والمهاجرين، كما يفتح باب المشاركة في الحياة العامة، وكلها أهداف تتوحد في صيانة الكرامة الإنسانية كهدف أسمى كفله الدين الإسلامي. ونصّ الإعلان على وجوب تفعيل الحقوق الثقافية المرتبطة بالمشاركة في الحياة المجتمعية العامة، ومنها الحق في التربية والتعليم، الحق في الانتماء الثقافي، الحق في استعمال اللغة الأم في ميدان القانون والعدالة، الحق في المشاركة والاستفادة من الخدمة الثقافية العامة والحق في استعمال تكنولوجيا المعلومات. كما دعا إلى ضرورة العناية بالحقوق الثقافية المرتبطة بمكانة الفرد والجماعة داخل المجتمع، ومنها الحق في الهوية والتعبير عنها وحمايتها، الحق في احترام المقدسات الدينية، الحق في الحفاظ على الذاكرة الجماعية والحقيقة التاريخية والحق في الإعلام والاتصال، وأكّد على أهمية الدفاع عن الحقوق الثقافية المرتبطة بالإنتاج الفكري، العلمي والإبداعي، ومنها الحق في استعمال اللغة الأم في الإنتاج الفكري، العلمي والإبداعي، الحق في نشر الإنتاج الفكري، العلمي والإبداعي، الحق في الحرية الأكاديمية والحق في حماية حقوق المؤلف. وأشار الإعلان إلى أنّ المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” هي الآلية الرئيسة للتعريف بهذا الإعلان ومتابعة تنفيذه وتقييم مستوى هذا التنفيذ، من خلال نشر المبادئ الواردة في هذا الإعلان، والتعريف بها مع السعي إلى ضمان مراعاتها واحترامها من طرف الجهات الرسمية والأهلية، وحثّ دول العالم الإسلامي على إدماجها في تشريعاتها وسياساتها الثقافية والتنموية، وأخذها بعين الاعتبار في العلاقات فيما بينها، ومع الشعوب والأمم الأخرى، ولدى المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية. ودعا الإعلان الإيسيسكو إلى إعداد دليل مرجعي لمؤشرات إعمال الحقوق الثقافية في دول العالم الإسلامي والقيام بتقييم دوري حول مستوى هذا الإعمال، كما دعا الدول الأعضاء إلى إدراج موضوع دراسة آفاق وآليات تطوير الحقوق الثقافية محورا في برامج الاحتفال بالعواصم الثقافية الإسلامية، وإدماج هذه الحقوق في التشريعات الوطنية، وأكّد على أهمية تفعيل دور الجامعات ومراكز البحث في نشر هذا الإعلان وتحقيق أهدافه، من خلال إجراء البحوث والدراسات وإبرام اتفاقيات الشراكة والتوأمة وتصميم المناهج والبرامج المناسبة وإنشاء الكراسي المتخصصة في هذا المجال، وحثّ الجامعات، المثقفين، الكتاب، الفنانين، السينمائيين والرياضيين، والحركات الشبابية والنسوية، جمعيات الأشخاص المسنين، المنظمات والجمعيات الأهلية، القطاع الخاص والصحافيين والإعلاميين، على تعزيز ثقافة حقوق الإنسان الثقافية، باعتبارها تعبيرا واقعيا وعمليا عن التنوع الثقافي، من خلال التعاون مع المنظمات والهيئات المتخصصة داخل العالم الإسلامي وخارجه، وفي إطار احترام المواثيق والقوانين المعمول بها في دولها.