الجزائر اليوم باستقرارها واحتياطاتها من العملة الصعبة وثرواتها النفطية والغازية وما يحتويه باطن الأرض، من ذهب وماس وربما يورانيوم وشساعة أرضها وموقعها الجيو استراتيجي وثقلها ومكانتها بين الدول العربية والإسلامية ثم بقوة جيشها وأمنها وكذا ما يحيط بها من توترات لدى دول الجوار، كلها عوامل تجعلها في دائرة الاستهداف الخارجي إن لم نقل إنها مستهدفة فعلا، وهي تعيش حالة حرب ناعمة خفية، والمعروف أن ميدان الحرب الناعمة هو العقل، والدراسات الغربية في هذا المجال بلغت أشواطا متقدمة في كيفية شل الإرادة لدى الخصم وإفشال الدولة من خلال الحرب النفسية التي سلاحها الإعلام، ومن هنا نجدهم يركزون جهدهم على حرية التعبير. إن التقدم الحاصل اليوم في تكنولوجيات الإعلام والاتصال وخاصة في مجال الإنترنت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فايسبوك وتويتر ويوتيوب، سهّل لقادة الحروب الناعمة خلق أدوات فيروسات من أبناء المجتمع لتخريبه من الداخل وإفشال الدولة، وبلغ بهم الأمر إلى حد جعل هذه الأدوات المسخرة عن بعد، تعتقد وتجزم بأن كل عمل تقوم به هو نابع عن قناعة ذاتية لخدمة الصالح العام، ”الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا” (سورة الكهف الآية 104). إن ما تشهده الجزائر اليوم من أحداث وما تعرفه من إضرابات ليس عفويا، وليس صدفة اختيار المكان والزمان الذي تنطلق منه، وهذا ليس غريبا عن الجزائريين، فقد وقع مثله أثناء الثورة من باب ”فرّق تسد” والتشويش وإحداث اختراق وعزل منطقة عن الأخرى واقتطاع جزء من الوطن، إلا أن آباءنا وأجدادنا رغم قساوة الاحتلال والجهل والفقر، تصدّوا لهذه المؤامرات وحافظوا على لحمة المجتمع ووحدة الوطن وما فشل فيه الأعداء بالأمس؛ أي أيام الحرب، يريد البعض تمريره أيام السلم وإن غُرر ببعضنا فإن بعضنا الآخر، وهم الأكثرية، لاتزال قلوبهم تنبض بمبادئ أول نوفمبر ولازالت بذرة الفداء والتضحية مغروسة في نفوسهم وضمائرهم، وخير مثال على ذلك الرجال الذين واجهوا الإرهاب من قوات الدفاع الذاتي ورجال الجيش والأمن والإعلام وكل الذين حافظوا على مؤسسات الدولة من الانهيار، وبفضلهم استعادت الجزائر عافيتها إلا أنها لاتزال ضمن دائرة المؤامرة والاستهداف؛ فمخططات قوى الاستعمار هي هي لم تتغير، وإنما يتغير الأسلوب بتطور المجتمعات، وتظل المصالح الغربية فوق كل اعتبار، وشعارات الديمقراطية وحرية التعبير والمرأة وحقوق الإنسان ما هي إلا مطايا لعودة الاستعمار لكن في شكل جديد.