للخطاب المسجدي تأثير كبير على الناس، لذا يوجه بعض الدعاة خطبهم لمحاربة مختلف الظواهر والآفات الاجتماعية، معتمدين في ذلك على أسلوبي الترغيب والترهيب، غير أن هذا يظل غير كاف، حسب الأستاذ زين الدين العربي إمام مسجد ابن فارس بحي القصبة العتيقة وعضو بمجلس الفتوى بالمجلس العلمي لمدينة الجزائر، الذي يرى بأن دور الإمام أكبر من أن ينحصر في المسجد، بل ينبغي له أن يراقب ويتابع مثل هذه الظواهر على مستوى الحي، لأن القضاء على مختلف الآفات الاجتماعية يتطلب العمل المستمر والمرافقة الدائمة للشباب. يرى زين الدين العربي أن تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة ومختلف أنواع الحشائش زحفت بشكل كبير على شبابنا، الأمر الذي يستدعي دق ناقوس الخطر، إذ أن نسبة التعاطي ارتفعت إلى 40 بالمائة بعد أن تم الجهر ببيعها في الأحياء الشعبية، الأسواق، الساحات العمومية وحتى أمام أبواب المساجد، ولم تسلم منها حتى المقابر، رغم يقول محدثنا المجهودات المبذولة من طرف المصالح المعنية في سبيل محاربتها، إلا أن انتشارها الكبير صعب من مهمة التحكم فيها، لاسيما أنها تعطي للشباب نشوة تجعلهم عبيدا، بالتالي يصعب التخلص منها. يؤكد زين الدين العربي أن خطورة ظاهرة تعاطي المخدرات لا تنحصر في مجرد الإدمان عليها فقط من طرف المقبل عليها، بل تتسبب في خلق جرائم أخرى، منها السرقة والاغتصاب، مع الاعتداء على المحارم في سبيل تأمين المال الكافي لشراء هذه السموم، من أجل هذا نركز يوضح المتحدث في سبيل محاربتها من خلال الخطب والدروس المسجدية على الجانب الشرعي الفقهي، ونستمد في ذلك حكمها من تحريم الخمر مصداقا لقوله تعالى: “إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه”، كما نستدل أيضا ببعض أقوال الفقهاء ومنها ما رواه أبو داوود في سننه؛ ”نهى رسول اله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر” والمفتر هو المخدر للعقل والجسد معا، حسب تفسير الفقهاء . كما نستدل يقول الأستاذ بحديث عبد الله بن عباس؛ “من شرب شرابا أذهب بعقله فقد أتى بابا من أبواب الكبائر”... كما نستدل بقول ابن تيمية في فتاويه ومنها قوله؛ “و أما لقمة الفسق والفجور “وهي الحشيشة” يحد متناولها كما يحد شارب الخمر”. في الخطاب المسجدي والخطب المنبرية نتعمد دراسة ظاهرة المخدرات بالتفصيل عن طريق ذكر أسبابها وعوامل انتشارها تحديدا بالأحياء الشعبية، على اعتبار أنها البقع التي تعرف انتشار مثل هذه الظواهر، ونأتي على ذكر مختلف الأنواع التي يتم تناولها، كما نركز على الآثار الصحية التي تتسبب فيها ونقدم في الإطار شهادات حية، ولا نغفل الحكم الشرعي للترهيب بالتأكيد على أنها محرمة، ونرفقها سبل العلاج المتاحة، وثبت يوضح محدثنا من خلال مختلف عمليات التحسيس التي نباشرها على مستوى المساجد، أن إقبال الشباب على مستوى مسجد ابن فارس بالقصبة بغية طلب التوجيه، حيث أن أول سؤال يوجهونه إلينا: ماذا نفعل؟ عندها أشعر أنهم بلغوا درجة اليأس ويبحثون عمن ينقذهم قبل أن تودي المخدرات بحياتهم، وبعد اعترافهم أباشر مهمة توجيههم إلى مراكز تصفية الدم الموجودة، أو أنصحهم بالاتصال بالأطباء المختصين وأحثهم على الاستماع إلى كل ما يقولونه لهم، وأدعوهم إلى تجنب صحبة السوء لأن أغلب الحالات اندفعت إلى المخدرات نتيجة الصحبة السيئة، وأدعوهم بدوري كإمام، إلى العودة إلى جادة الصواب بالصلاة والإكثار من العبادات وزيارة المساجد للاستفادة من الدروس التي نقدمها، كما أهديهم مصاحف لحثهم على عدم ترك الطاعات كنوع من المرافقة والمتابعة، حتى لا يحيدوا عن جادة الصواب، غير أن كل هذه الأعمال تظل غير كافية لأن التوعية ومحاربة الظاهرة تتطلب وجوب المتابعة والمرافقة، وهو عمل ينبغي ألا ينقطع. وفي رده على سؤالنا حول أهم الأسباب التي تقود الشباب بالأحياء الشعبية إلى تعاطي المخدرات، يجيب محدثنا بأن المسألة تتطلب القيام ببحث معمق، وهي مهمة المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس لتحديد الأسباب بدقة بعد القيام باستطلاع معمق في مثل هذه الأحياء، “وفي رأيي كشخص أحتك بهذه الفئة وأعيش بحي شعبي تكثر فيه مثل هذه الظواهر من بيع وشراء واستهلاك للمخدرات، أعتقد أن الفراغ بالدرجة الأولى، الذي غذته البطالة وراء تفشي الظاهرة، إلى جانب رفقاء السوء. وبحكم تجربتي مع المتعاطين فإن أغلب الشباب الذين وقعوا ضحايا المخدرات كان نتيجة مخالطتهم لرفقاء السوء وفي كثير من الأحيان بسبب المشاكل الاجتماعية، تحديدا ضيق السكن، هي الأمور التي تجعل الشباب يختارون تعاطي المخدرات للهروب من واقعهم والعيش في الخيال”. وحمل الأستاذ زين الدين العربي المجتمع المدني مسؤولية تفشي ظاهرة المخدرات بين أوساط الشباب، حيث قال بأن الجمعيات لا تلعب دورها كما يجب وهذا لا يعني أن الأئمة غير معنيين، بل هم في اعتقادي مسؤولون لأن بعض الخطباء والدعاة لا يولون أهمية كبيرة لظاهرة المخدرات، دون أن ننسى إهمال الأولياء لمسؤولياتهم، إذ نلاحظ حقيقة أن الأولياء يهتمون اليوم بالجانب المادي دون الجانب التربوي. وما يحز في نفسي كإمام، يقول زين الدين العربي، أن بعض تجار المخدرات يقصدون المسجد للصلاة، رغم أنهم على علم بمضار هذه السموم التي يروجون لها، إلا أنهم يتعمدون ذلك بغية تحقيق أرباح طائلة، وفي المقابل يحرصون على صحتهم بعدم تناولها، من أجل هذا أتعمد في خطابي توجيه نبرة حادة لهؤلاء لعل نفوسهم تستفيق، لأن ضحايا هذه الآفة شباب غرر بهم.