تعثّر الممثل المسرحي عبد القادر جريو في أوّل تجربة إخراج مسرحي له، بتقديم "صواعد"؛ إذ افتقد إلى عوامل مهمة في البناء المسرحي، أهمها خلق الفرجة والمتعة. ومرّت أطوار قصة العاهرة فدوى ببرودة ونسق باهت. والواضح أنّه شوّه نص الكاتب هارون الكيلاني، وأضحت رمزيته المعروفة في أعماله، أشبه بخطابات وجمل مفيدة حينا، وغير مفيدة أحيانا. أنقذت السينوغرافيا العمل، فما قام به حمزة جاب الله في هذا الجانب، يعدّ بحق قمة في الإبداع، بتقنيات بسيطة لكنّها ذات مغزى عميق، فوضع وصفا يليق بموضوع امرأة عاهرة تعاشر ثلاثة رجال، فركّز على اللون الأحمر في لباس الممثلين للإشارة إلى حميمية العلاقة بين فدوى ومضاجعيها، وحتى السرير الدائري يحيلك على الدائرة المفرغة التي لا جدوى منها والساعة التي رقّاصها يدور بالعكس؛ إيحاءً بزمن معوج، ففدوى المرأة العاهرة هي ضحية أهواء ونزوات رجال ذوي نفوذ، إلاّ ذلك الرجل الأبكم الذي تحبه وتحمل منه، ويكون سبب قتلها من طرفهم جميعا بتهمة الخيانة. وعبر ساعة من الزمن، تسرد شخصية فدوى - التي أدت دورها بمنتهى السلاسة الممثلة درعي فاطمة الزهراء - مجموعة من الخطب في الحياة، وتُبرز معاناتها مع هؤلاء الرجال الذين يتحولون في حضرتها إلى وحوش تتربص بجسدها، وهي المستلمة لتعنت الأول المغتصب، والراضخة لأموال الثاني الثري والعاشقة للثالث الأبكم. النص طرأ عليه تغيّر عميق إلى حد الشرخ، فلم تبرز تيمات التشويق والفرجة. والجرأة التي تحدّث عنها المتتبعون بخصوص المسرحية لم تكن بالمستوى الواضح وبالغرض المطلوب، فرفع المحظورات استوجب جرأة أكبر وذكاء أوفر. ويبدو أن المخرج عبد القادر جريو الذي ذاع صيته لإخراجه البرنامج التلفزيوني الناجح "جرنان القوسطو"، لم يكن بالمستوى ذاته لإنجاح المسرحية وتحبيبها للمتلقي حتى وإن كانت تريد كسر المحظور. والعمل الذي أنتجه المسرح الجهوي لمعسكر كان من الأحسن لو أخرجه كاتب نصه هارون الكيلاني، فهو صاحب خبرة وتجربة جيدة، ولا بد من الإشارة إلى أن العرض قُدم باللغة العربية الفصحى مع تسجيل أخطاء لغوية كثيرة.