يدخل كل من المخرج عبد القادر جريو مع الكاتب المسرحي الأغواطي هارون الكيلاني، في مغارة ركحية أولى تحمل عنوان “صواعد”، تقدم على مدار ساعة من الزمن والسرد اللغوي الفصيح، وجه من أوجه المرأة، ليس الجزائرية فقط، وسط ما اختارته لنفسها وما اختاره لها الرجال الذين من حولها، من أدوار في المجتمع الذي يريدون. يعرض مسرح معسكر يوم الخميس القادم، آخر أعماله، في مسرح كاتب ياسين بسيدي بلعباس، وسط ترقب كبير لما سيقدمه الفنان عبد القادر جريو، في أول تجربة إخراجية، خاصة أنه اختار نصا ليس بالسهل، يقدّم حكاية امرأة “فدوى” يصفها المحيطون بها ب”المومس”، وهم الأخرس، عابر وجابر. تمارس طقوسها عليهم، ويمارسون هم أيضا طقوسهم، وسط ديكور بسيط ومريب، يضم سريرا دائريا يوحي إلى الساعة، محاط بثلاثة أرقام. يريد الأخرس جسد فدوى، في حين يغرقها عابر في الهدايا والأوراق النقدية، وهو المغرم بها. في حين يتوغل جابر حميميتها ممارسا عليها كل طقوس العنف والإهانة. وفي خضم ذلك يعبر الركح من حين إلى آخر “شبح” نسوي يجري ببرنوس بيده ليلبسه فارس أحلامه الذي كلما اقترب من لباسه يهرب. يجرّب الأخرس، عابر وجابر على فدوى، كل ما تواجهه المرأة في المجتمع، ليس الجزائري بالضرورة، ويسمعونها من الكلام ما يقال عن أمثالها في السر والعلن، بينما تواجههم بكل شجاعة بأطماعهم في روحها، جسدها وفي حبها أيضا. لكن عندما واجهتهم بحملها اختلفوا، ليتفقوا على أسهل القرارات وهو قتلها. تبدأ المسرحية بأغنية الراحلة المعروفة باسم “الشيخة الجنية الحقانية بنت سعيدة” وعنوانها “كاين ربي كاين ربي”، التي أعاد توزيعها الموسيقي الفنان الباتني صالح سامعي، وأداها المغني العباسي عبد الله جلاب، في طابع الروك والعصري. وهي رغبة المخرج عبد القادر جريو، الذي يعتبر الفنانة الراحلة “أيقونة” مهملة. وتواجه فدوى مصيرها وسط أجواء من النور والظلامية، صنعها السينوغرافي حمزة جاب الله، والتي تشد المشاهد إلى ما يقوله شخوص المسرحية، والذي يجب عليه أن ينتبه إلى كل ما يقال. لأن هذا العمل، مع ما فيه من جمالية استعراضية، بفعل التوزيع فوق الركح والجهد البدني الذي يبذله الممثلون الأربعة، فإنه يمكن أن يستعصى فهمه إذا فلتت جملة أو كلمة. ويبدو أن الكاتب هارون الكيلاني نزح نحو أقصى “الصعوبات” في هذا العمل الجديد، ولا يمنح المخرج من جانبه أية لحظة استرخاء للمتفرج. ولا شك أن جمال النص الذي أداه الممثلون الأربعة أمينة بلعابد، عبدو مريوح، بوبكر بن عيسى ومحمد فريمهدي، بالعربية الفصيحة، أعطى للمسرحية بعدها الذي أراه كاتبها هارون الكيلاني، الذي يبدو أنه لن يتوقف عن المغامرة في الممنوع والصعب. ويقول المخرج عبد القادر جريو، أنه يعي صعوبة المغامرة التي يخوضها، لكنه من جانب آخر متيقن أن ما قام به هو “مسرح وفقط”. ومن غير المستبعد أن تثير مسرحية “صواعد” نقاشا كبيرا في الأوساط المسرحية، بعد عرضها على الجمهور يوم الخميس القادم “وهو المطلوب” كما يقول الفريق الذي اشتغل عليها.