رافع رئيس الحكومة السيد عبد العزيز بلخادم، أمس، لصالح تكثيف المبادلات الإنسانية بين الجزائروفرنسا، معتبرا أن تجريد المبادلات المتعددة الأشكال بين البلدين من البعد الإنساني يفقدها معناها الحقيقي، حيث لا يمكن على حد تأكيده "تصور علاقات اقتصادية وثقافية وجامعية دون الأخذ في الحسبان المبادلات الإنسانية، وإتاحة أكبر قدر من تدفق تنقلات الأشخاص بين البلدين". وأشار السيد بلخادم في كلمة ألقاها في بداية جلسة عمل جمعته بالوزير الأول الفرنسي السيد فرانسوا فيون وبحضور وفدي البلدين بقصر الحكومة، إلى أن التواجد الهام للرعايا الجزائريينبفرنسا من شأنه أن يكون دافعا لكثافة فريدة وثراء أكيد بالنسبة للعلاقات التي تجمع البلدين، واعتبر في هذا الإطار أن تكفلا حقيقيا بهذا المعطى يساهم بشكل بالغ في تعزيز الأواصر بينهما، داعيا إلى العمل على تعميق الأشواط التي تم تحقيقها بين البلدين في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. وعبّر رئيس الحكومة عن انشغال الجزائر بخصوص وضعية جاليتها ضمن الهيئات الممثلة للديانة الإسلامية بفرنسا، ورغبتها في أن تحظى هذه الجالية التي تشكل أهم مكونات الجالية الإسلامية في فرنسا بتمثيل عادل ومنصف في سائر الهيئات الدينية بفرنسا. فيما دعا لدى تطرقه إلى العلاقات التي تربط البلدين في المجال الاجتماعي إلى تجديد الإطار الاتفاقي الذي يحكم هذه العلاقات على اعتبار انه مر على وضعه أزيد من 20 سنة، مذكرا بأن الجزائر اقترحت مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في ميادين العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، وذلك بهدف تعزيز التعاون المؤسساتي بين البلدين بما يتطابق مع أحكام اتفاقية الشراكة المبرمة بينهما في ديسمبر 2007 . وعرض السيد بلخادم أمام أعضاء الحكومة الفرنسية أهم العناصر التي تميز التحول الاقتصادي في الجزائر، مشيرا إلى أن الجزائر، شرعت في السنوات الأخيرة في برنامج واسع للإصلاحات الهيكلية لتحديث الاقتصاد وتشجيع اندماجه في الاقتصاد العالمي، بعد أن ذكر بتأهبها للإنضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، جدد رئيس الحكومة رغبة الجزائر في الاستفادة من دعم الإتحاد الأوروبي، "الذي تعد فيه فرنسا عضوا يتمتع بنفوذ خاص"، سيما وأنها ستتولى رئاسة الإتحاد بعد أيام. ولدى تطرقه إلى العلاقات التجارية بين البلدين، أوضح رئيس الحكومة أن فرنسا هي الشريك الأول بالنسبة للجزائر، حيث تعد زبونها الخامس وموردها الأول، مشيرا إلى أن حجم المبادلات بين البلدين فاق العام الماضي 9 ملايير دولار، وأعرب في هذا الصدد عن أمل الجزائر في أن تتجسد حركية المبادلات التجارية وتنوعها وبنفس الكيفية على مستوى الاستثمارات الفرنسية بالجزائر وخصوصا الإستثمار المنتج، مؤكدا ضرورة أن يسهم إنشاء مجلس أعمال جزائري فرنسي وغرفة جزائرية فرنسية للتجارة والصناعة في بعث نفس جديد في علاقات التعاون والشراكة بين البلدين. كما اعتبر في سياق متصل أن المباحثات وتبادل وجهات النظر بين المتعاملين الإقتصادين الجزائريين والفرنسيين بمناسبة زيارة الوزير الأول الفرنسي للجزائر، ستكون مثمرة ومفيدة للاقتصاد في البلدين، لاسيما في القطاعات المحددة بصفة مشتركة على غرار صناعة السيارات والصيدلة وقطاع الزراعة الغذائية. من جانب آخر ذكر السيد بلخادم، أن الجزائر التي تساهم بشكل كامل في تأمين عمليات تزويد أوروبا بالطاقة، تعمل على تنويع مصادر طاقتها من خلال اللجوء إلى الطاقات البديلة. وأشار في هذا الصدد إلى برنامج واسع لتطوير الطاقة النووية المدنية تطمح الجزائر إلى تجسيده في ظروف أمنية مثلى، بالارتكاز على تعاون متعدد الأشكال، يشمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبلدان كبرى تملك تكنولوجيا نووية، مؤكدا بأن هذا الطموح بدأ يتحقق بفضل إتفاق التعاون من أجل تطوير واستعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية الذي تم توقيعه أمس. كما تطرق رئيس الحكومة إلى التعاون الثنائي في مجال التكوين معتبرا بأن هذا التعاون مرشح لوثبة نوعية بفضل مشاريع جديدة يجري إنجاز بعضها، مثل المدرسة العليا للتكنولوجيا والبعض الآخر قيد الإنضاج مثل الأقسام التحضيرية للمدارس الكبرى للمهندسين، وأعرب في هذا السياق عن يقينه بأن هذه المشاريع المرتبطة بالحاجات ذات الأولوية للجزائر سيكون لها أثر معتبر على القطاعات الاقتصادية وتساهم في تلقين تكوين تأهيلي كفيل برفع مستوى الكفاءات. من جهته أشار السيد فرانسوا فيون في رده على بعض الانشغالات التي طرحها السيد بلخادم، إلى أن الشراكة الاستثنائية التي تجمع البلدين تستوجب الاعتناء بالبعد الإنساني، موضحا بأن فرنسا التي تحاول أن تتفتح أكثر، لازالت تعمل على رفع عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين، وذكر في هذا الإطار الزيادة في عدد التأشيرات خلال السنوات الأخيرة والذي انتقل من 50 ألف تأشيرة في سنة 1995 إلى 126 ألف تأشيرة في 2006 . كما ذكر بأن المسائل المتعلقة بالتاريخ والذاكرة تقع في صلب العلاقات الثنائية، معتبرا بأن البلدين أحرزا تقدما معتبرا في هذه المجال، وان هذا التقدم تجلى في التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حول الإستعمار خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى الجزائر في ديسمبر الفارط، فضلا عن تلك الصادرة عن السفير الفرنسي بالجزائر السيد برنار باجولي حول مجازر 8 ماي 1945 . كما أشار السيد فيون في هذا الصدد إلى قرار تشكيل فوج عمل لتسهيل حصول الباحثين الجزائريين على الأرشيف الفرنسي، مؤكدا حرصه الشخصي على تمكين الجالية الجزائرية من تمثيل جيد في إطار هيئات الديانة الإسلامية في فرنسا ممثلة بعميد مسجد باريس.