تحاول بورصة الجزائر، في الفترة الأخيرة، إحداث دينامية في عملها، عبر ملتقيات تحسيسية والمشاركة في أهم اللقاءات ذات العلاقة بالسوق المالية في بلادنا. ويسعى مسؤولوها من خلال ذلك إلى إقناع أكبر عدد ممكن من المؤسسات للجوء إلى هذه الآلية التمويلية التي لم تجد بعد صدى في وسط الأعمال، لتبقى بذلك هذه الهيئة في وضعية نادر حدوثها في بلدان أخرى، بالرغم من الأهمية التي تلعبها البورصة في كل الاقتصاديات. ويظهر ذلك في النتائج الهزيلة لبورصة الجزائر التي قدرت قيمة التداولات فيها خلال 2013 بحوالي 100 مليون دج فقط، وهو حجم ضئيل جدا إذا ماقارناه بالدول المجاورة من جهة وبالقدرات الاقتصادية للجزائر من جهة أخرى. ويؤكد تقرير صندوق النقد العربي هذا الوضع في تقريره الخاص بالربع الثالث لسنة 2013، إذ يشير إلى أن مؤشرات الأسعار للبورصة واصلت أداءها الضعيف مسجلة انخفاضا ب1.8 بالمائة، كما يشير إلى انخفاض القيمة السوقية في نفس الفترة مسجلة حوالي 122 مليون دولار. أما بالنسبة لنشاط التداول، فيقول التقرير إن قيمة الأسهم المتداولة لم تتعد 261.2 ألف دولار. وضع بعيد جدا عن ذلك الذي تعرفه البورصات العربية، حتى بورصة فلسطين التي بلغت قيمة الأسهم المتداولة بها في نفس الفترة 65.6 مليون دولار، فيما سجلت قيمتها السوقية ارتفاعا لتبلغ 2.8 مليار دولار ! وهذا مثال فقط من ضمن أمثلة أخرى كثيرة في المنطقة العربية وفي منطقة المتوسط، يوضح ضآلة نشاط بورصة الجزائر التي لايتعدى عدد الشركات المدرجة بها حاليا ستا، أربع منها على شكل أسهم وهي "صيدال" و«الاوراسي" و«أليانس للتأمينات" و«رويبة"، واثنتان عن طريق السندات وهي "سونلغاز" وشركة "دحلي". وإذا كان دخول شركات خاصة للبورصة عاملا مشجعا، لأنها لم تعرف في بداياتها خلال التسعينيات سوى إدراج أسهم وسندات لمؤسسات عمومية، فإن الأمور لم تسر في الطريق الذي رسمه مسؤولوها، ليبقى الجمود هو سمتها الأولى والدائمة. وفي محاولة لتنشيط هذه الهيئة المالية، تم إدخال تعديلات على القانون العام للبورصة بغية استقطاب عدد أكبر من المتعاملين إليها، من أهمها إنشاء سوق خاص بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، توفر بيئة ملائمة لتنميتها وتطويرها مع تخصيص شروط جد مرنة للقبول في هذه السوق، كما أوضحه مؤخرا السيد يزيد بن موهوب المدير العام لمؤسسة تسيير بورصة الجزائر، الذي أشرف، أول أمس، على يوم إعلامي وتحسيسي بعنابة تحت عنوان "بورصة الجزائر: أداة لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة"، وقد أشار خلاله إلى أن ضم حوالي 1 بالمائة من هذه المؤسسات البالغ عددها حوالي 700 ألف مؤسسة ببورصة الجزائر يشكل "أحد الأهداف الاستراتيجية لهذه الهيئة المالية على المديين القريب والمتوسط". أما التعديل الثاني فيخص إعادة النظر ومراجعة شروط القبول الخاصة بالسوق الرئيسية للشركات الكبيرة وتخص الرأسمال الأدنى الذي رفعت قيمته إلى 500 مليون دج بدل 100 مليون دج، فيما تم تقليص عدد المساهمين من 300 إلى 150. وهذا بعض من جملة الإجراءات والامتيازات التي تضمنها قانون المالية لسنة 2014 لتشجيع انخراط المؤسسات بالبورصة، والتي بدأت أولى بوادرها تظهر في الاعلان عن انخراط ثماني مؤسسات كبرى من بينها 07 مؤسسات عمومية هي موبيليس وكوسيدار والقرض الشعبي الوطني وشركة التأمينات "لاكار" وثلاثة مصانع اسمنت –التي وافق مجلس مساهمات الدولة مؤخرا على إدراجها في البورصة- فضلا عن مؤسسة واحدة تابعة للقطاع الخاص ستنخرط هي الأخرى ببورصة الجزائر سنة 2014. وفيما يخص سوق السندات، فيشترط على المؤسسة الراغبة في إصدار قرض سندي أن تملك رأسمال لايقل عن 500 مليون دج وإصدار قيمة رسمية تقدر ب500 مليون دج على الأقل، كما تم إنشاء سوق الكتل الخاص بالسندات العمومية لتحسين السيولة المتداولة في البورصة. وحسب السيد بن ميهوب، فإن إدراج الشركات الجديدة في البورصة خلال السنة الجارية سيكون بمثابة "قاطرة" للمؤسسات الأخرى في القطاعين العام والخاص. تضاف إليها مجموعة القوانين التي تم اقتراحها من أجل دفع وتيرة العمل تماشيا مع المعمول به على مستوى الأسواق المالية الدولية مع أخذ الخصوصيات الجزائرية بعين الاعتبار. في هذا الإطار، تسعى البورصة إلى إعادة تنظيم الوسطاء في عمليات البورصة وتوسيع نطاق تدخلهم واستحداث نشاطات أخرى استجابة للتطورات التي يشهدها الاقتصاد الوطني. وسيتم كذلك عصرنة وتحديث أنظمة التداول والإعلام لاسيما أنظمة مراقبة لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة ونظام التداول ونظام المؤتمن المركزي. وهي الإجراءات التي يجوب المدير العام للبورصة عددا من ولايات الوطن من أجل شرحها للمتعاملين الاقتصاديين قصد إقناعهم باللجوء إلى هذه الهيئة كوسيلة لتمويل مشاريعهم بدل الوسائل الكلاسيكية كالقروض البنكية، ولسان حاله يقول لهؤلاء "كونوا أكثر جرأة.. وخوضوا المنافسة الحقيقية في السوق". مقابل ذلك، فإنها ستستفيد من مضاعفة مصادر التمويل وحظ أوفر لعقد شراكات متعددة في مجال عملها وإعفاءات ضريبية وتخفيض في ضريبة الدخل كما جاء به قانون المالية لسنة 2014، فضلا عن التسويق لقيمة إضافية للمؤسسة. ويطمح مسؤولو البورصة إلى استقطاب 40 مؤسسة خلال الخمس سنوات المقبلة بمعدل سبع إلى ثماني مؤسسات سنويا، باعتماد الاجراءات التحفيزية الجديدة بقيمة مرجوة تبلغ 10 ملايير دولار في ظرف خمس سنوات مقابل 207 ملايين دولار حاليا (14 مليار دج). لكن الجميع يعترف بأنه حتى وإن تحقق هذا الهدف، فإن المستوى يبقى "غير كاف" بالنظر إلى واقع البورصات الجهوية ومنها تونس التي تبلغ قيمتها السوقية 9 ملايير دولار، والمغرب ب60 مليار دولار! وإذا كان تطوير سوق البورصة يعد مصدرا لتمويل المؤسسات، فإنه بالمقابل طريقة لتوظيف مدخرات الأسر الجزائرية التي ارتفعت في السنوات الأخيرة، بطريقة يفضل الكثيرون إبقاءها في البنوك كسيولة بفائدة. ورغم هذه المعطيات الجديدة، فإن المختصين يشككون في قدرة هذه الاجراءات على تحفيز الشركات لولوج باب بورصة الجزائر، بالنظر إلى المحيط الاقتصادي الراهن، وكذا لطغيان المؤسسات المصغرة التي توظف أقل من عشرة عمال على نسيج المؤسسات في الجزائر. كما لايجب إهمال عامل اعتماد الاقتصاد الجزائري على العائدات من المحروقات بشكل كلي في تمويل اقتصاده، مما يعني أن الاقتصاد الفعلي ليس منتجا أو معتمدا على المؤسسة الجزائرية.