إن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية هو الاحتكام إلى الصندوق، أي فسح المجال للشعب ليختار بكل حرية وشفافية من يضع فيه ثقته ويوليه زمام أموره. والجزائر اختارت هذا المبدأ، وخاصة في ظل التعددية الحزبية، فمنذ 1995 تاريخ أول انتخابات رئاسية في عهد التعددية وإلى اليوم، حافظت الجزائر على إجراء المواعيد الانتخابية (المحلية والتشريعية والرئاسية) في مواعيدها رغم الظروف الصعبة التي مرت بها، وهذا لإيمانها بأن السيادة للشعب، وحملت لذلك شعار ”بالشعب وللشعب”. وبهذا ضمنت التغيير السلس الذي أفضى إلى القضاء على الأزمة التي مرت بها البلاد تدريجيا بفضل الحكمة التي اتصف بها الرجال الذين وكلهم الشعب لمعالجة القضايا المصيرية للأمة والوطن. فاستتب الأمن وعم الاستقرار واطمأنت النفوس. واليوم إذا كان هناك من نسي المعاناة التي مر بها الشعب الجزائري والخراب الذي طال المؤسسات الصناعية والإدارية والتربوية والصحية والبنى التحتية فإن أبناء الشعب لم ينسوا ذلك. وإذا كان هناك من لايزال يراهن على الشارع، فإن هذا الخيار ”لا تنجر عنه إلا المصائب التي عرف ويلاتها الجزائريون خلال التعسينات (...) وأن الربيع الذي أتى على بعض الدول العربية لم يأت بالتنمية ولم يقض على البطالة وإنما أتى بالهول والدمار، كما قال أحمد أويحيى خلال تجمع شعبي. فالمراهنة على الشارع، ولو كانت بحسن نية، معروف مآلها، فالتظاهر السلمي يصعب التحكم فيه، وحمايته من المندسين الذين يحولونه إلى عنف لفظي ثم رشق بالحجارة، وفي الأخير يتحول إلى عنف مسلح، ومن ثم تقع الجزائر في شباك ما يسمى ب«الربيع” أخطبوط التدخل الأجنبي، بدعوى حماية الشعب تارة وحقوق الإنسان والحريات تارة أخرى. وهذه الأمور حفظناها عن ظهر قلب، وخير مثال على ذلك ما يجري في ليبيا واليمن وسوريا، ولا أظن أننا شعب غبي إلى درجة أن نمكن غيرنا من اللعب بعقولنا ليجعلنا نستبدل هذا الأمن والاستقرار الذي نتمتع به بالعنف والتخريب ونكرر ما حصل في سنوات العشرية السوداء.