تتزين قاعة ”الأندلس” بفندق الجزائر إلى غاية 22 أفريل الجاري بلوحات الفنان التشكيلي أحمد صالح بارة، التي خصّصها للمرأة العاصمية الأصيلة التي كانت وستبقى صمام الأمان للتراث وللهوية، حيث تتراءى الألوان بأنوارها المشعّة التي تكسر الفضاء الباهت لقاعة ”الأندلس” لتشدّ الجمهور وبالتالي جذبه إلى عالم أنثوي بديع وساحر ينطق بالجمال والأصالة والإبداع. يتضمّن المعرض 14 لوحة ويحمل عنوان ”المرأة العاصمية” علما أنّ هذا الفنان سبق له وأن قدّم معرضا خاصا بالمرأة الجزائرية مثّل فيه المرأة من مختلف مناطق الوطن وقد لاقى النجاح ليقرّر بعدها تخصيص معرض لكلّ منطقة على حدة والبداية كانت من العاصمة مدينة سيدي عبد الرحمن المحروسة، التي أنجبت كلّ حسن وبهاء حتى وهي تئن تحت وطأة الغزاة. معرض العاصمية لا يقتصر على إظهار المرأة رغم أنها المحور الأساسي ولكن إضافة إلى ذلك يعرض مختلف العادات والتقاليد والعمارة الهندسية، خاصة بالغرف ووسط الدار، إضافة إلى اللباس والديكور وكلّ ما يتعلق بحياة المرأة العاصمية التي ترتبط عضويا بالقصبة التي هي قلب مدينة الجزائر. التقت ”المساء” في هذا المعرض بالفنان بارة الذي أشار إلى أنّه لم يشرع في إنجاز هذا المعرض إلاّ بعد جهد وبحث حيث راح يفتش في تاريخ العادات والتقاليد العاصمية الأصيلة، وذلك من خلال شبكة الأنترنت، كما قام بتسجيل القعدات الفنية الأصيلة للراحلتين مريم فكاي وفضيلة الدزيرية للاطلاع على خصوصيتها وأضاف بالقول أيضا ”ذهبت كذلك إلى متحف الباردو، حيث رأيت التقاليد النسوية مجسّدة تماما كما كانت في الماضي من خلال اللباس والديكور ونقل الجو العام لبعض اللقاءات النسوية وأيضا للديكور المنزلي العاصمي التقليدي”.ربط هذا الفنان في معرضه بين المرأة والقصبة وحاول من خلال هذا الموضوع الإبداع وتجنّب التكرار والرسم الجاهز وهنا يقول بارة محدّثا ”المساء”، ”إنّ موضوع القصبة بما يحويه من صور منها المرأة موضوع كلاسيكي ليس بجديد ابتدعه الفنانون المستشرقون منذ ما يناهز القرنين والتزموا من خلال المدرسة الفنية الكلاسيكية بإظهار هذه البيئة الجزائريةالأصيلة والساحرة وجاء بعدهم جيل من الفنانين الجزائريين منذ بدايات القرن العشرين، ليرسم هذا التراث بعين وبإحساس مختلف أكثر أصالة وتمثيلا للهوية الجزائرية، ومن بين فناني هذا الجيل نجد مثلا محمد وعمر راسم ومحمد تمام الذين التزموا بهذا التراث من خلال استغلال فن المنمنمات وحرص كلّ واحد من هؤلاء على وضع بصمته الخاصة المختلفة عن الآخر، وهكذا أنا لا أحب التقليد لمجرد التقليد لأن ذلك سيخلق التكرار ويولد الرتابة فاجتهدت في إيجاد طريقتي الخاصة في رسم هذا التراث الذي يتجسّد أكثر في المرأة وفي يومياتها”. وأشار الفنان قارة، إلى أنه يفضل أسلوب ”الاستشراق الجديد” (نيو أوريونتاليزم) سواء على مستوى التشكيل أو الألوان مع لمسة ظاهرة لأسلوب العفوية الذي اشتهرت به الراحلة باية ولمسة أخرى لأسلوب المنمنمات. وفي سؤال ”المساء” عن استعمال اللون الأزرق في تزيين عيون النساء في كلّ اللوحات تقريبا، ردّ الفنان أن ذلك مجرد اختيار كزينة وأيضا لإظهار تفاصيل أكثر للوجه، الذي غالبا ما لا يحتمل في اللوحات الكثير من الألوان، كما أن ذلك راجع أيضا للتأثر ببعض الحضارات التي اطلع على فنونها منها مثلا الحضارة الهندية والحضارة الفرعونية التي تبرز العين بشكل واضح من خلال استعمال التكبير والتلوين، وأكّد بارة أيضا أنه متأثر بالتراث العثماني الذي يظهر في الأجواء الداخلية للبيوت وفي الديكور. يستعمل الفنان بارة الألوان الصافية ولا يميل إلى مزجها لأنه يفضلها على صورتها في الطبيعة ونادرا ما يمزج لونين معا وغالبا ما يستعمل الألوان الطبيعية في الأسلوب الفني العفوي، هذا الأسلوب الذي يرفض الألوان الممزوجة. كما أن هذه الألوان تعكس أكثر الخيال الذي استمد منه الفنان بعض الصور الجميلة عن القصبة والمرأة في الماضي الجميل. وأشار الفنان إلى أن أغلب ما يرسم اليوم عن هذا التراث مستمد من إبداع الفنانين المستشرقين الأوائل أو من تراث المنمنمات، بينما يحاول هو تقديم إضافة جديدة من خلال التركيز على الهوية الجزائرية (خاصة من حيث التصوّر) ومن أجل إبراز مدى تطوّر الحركة التشكيلية في الجزائر، وأكّد بارة أنّه رجع إلى المخيال كي يأخذ منه بعض الصور فمثلا في إحدى اللوحات التي تظهر فيها جلسة موسيقية نسائية تتراءى من نافذة البيت بعض البيوت الجميلة والقباب الشاهقة وهي المباني التي لم يعد لها أثرا اليوم. تتلألأ اللوحات بالألوان والزهور وصناديق الديكور المزركشة بالأشكال والألوان منها ”صندوق الخطبة”، الذي اكتشفه في زيارته للمتحف وبالأثاث الفاخر وبحياة الرغد التي تدلّل فيها إحدى السيدات الطاووس وهي تداعبه في جلسة جمعتها بصديقاتها وقد حرص الفنان على إعطاء أسماء أصيلة وعاصمية لبطلات لوحاته منها مثلا باية، ياسمينة، يمينة ونفيسة وغيرها. بالمناسبة أكّد الفنان أن عشرة أيام من العرض لا تكفي ليكتشف الجمهور أعماله التي انتهى من إنجازها في مارس 2014، لكنّه بالمقابل كان سعيدا بالجمهور الذي توافد ومنه جمهور الأجانب المتعطّش للفن الشرقي والإفريقي الذي افتقدوه في الغرب بفعل طغيان الفن التجريدي والمعاصر. ما يثير في هذا الفنان هو حيويته واجتهاده لخدمة فنه فهو يحضر الملصقات الإشهارية ويعلن عن معارضه على الأنترنت ويتواصل مع جمهوره ومع الفنانين، وفي الأخير، أكد الفنان أنه يعرض لثاني مرة بفندق ”الجزائر” وأنّه عرض أيضا في أروقة مختلفة بالعاصمة وهو ما يعكس النهضة التي يشهدها الفن التشكيلي بالجزائر فمثلا مؤسسة ”فنون وثقافة” لوحدها تملك 3 أروقة مما يعطي فرصة أكثر للظهور متمنيا أن تعمّم هذه النهضة على ولايات أخرى منها مسقط رأسه مدينة سوق أهراس.