يعرض الفنان أحمد صالح بارة لوحاته العشرين، ببهو فندق الهيلتون، وذلك إلى غاية 14 سبتمبر الجاري، مقدما للجمهور العاصمي وللأجانب صورة أصيلة عن عادات وتقاليد المرأة الجزائرية. المعرض الذي انطلقت فعالياته في 15 أوت الماضي، يحمل عنوان “المرأة الجزائرية” يستعرض من خلاله هذا الفنان خصوصية المرأة عندنا عبر مختلف مناطق الوطن، سواء أكانت امرأة شاوية أو قبائلية أو شرقية أو وهرانية أو عاصمية أو من الصحراء، والقاسم المشترك بين هؤلاء النساء هو الأصالة باعتبار أن المرأة هي المحافظ الأول لها من خلال العادات والتقاليد (لباس، طبخ، موسيقى، طقوس.. وغيرها). في حديثه ل"المساء”، أشار الفنان أحمد صالح بارة إلى أنه فنان عصامي لكنه دائم البحث والإبداع من خلال 20 سنة من الممارسة، خاصة في اختصاص الرسم الزيتي. الفنان المتخرج من جامعة عنابة، تخصص البيولوجيا، يقول “درست هذا الاختصاص رغما عني كان من المفروض أن أوجه قدراتي العلمية والفنية لدراسة الفن التشكيلي”، أول معرض أقامه الفنان كان بجامعة عنابة ثم بنادي الجامعة أي في سنة 1994 لينطلق مشوار المعارض بعدها. يؤكد الفنان أن عائلته كلها تمارس الفن بلا استثناء لكن الكثير من أفرادها تخلوا عن هذه الهواية نتيجة مشاكل الحياة اليومية إلا هو فقد بقي مرتبطا بالريشة ومصرا على الرسم. يحب أحمد صالح التنوع في الرسم سواء في المواضيع المعالجة أو في الأساليب الفنية، كما أنه يفضل أن يكون معرضه بموضوع واحد شامل وبعنوان محدد، فمثلا أنجز معرضا عن “الأرض والفلاح”، عرض فيه حياة الريف الجزائري بجمالية ورومانسية، كان ذلك في 2009 برواق محمد خدة بالجاحظية، كذلك قدم معرضا عن العادات والتقاليد البربرية في 2008 بقاعة الموقار ثمن من خلاله الخصوصية الأمازيغية الأصيلة الممتدة في العمق الثقافي والاجتماعي الجزائري. الفنان مولع أيضا بالمدن ومعالمها، فقد أنجز معارض عن مدينة سوق أهراس وعن عنابة وسطيف والعاصمة وغيرها من المدن الجزائرية، مبرزا معالمها الثقافية والتاريخية، محاولا من خلال ذلك التحسيس بضرورة حماية هذا التراث الذي تعرض في كثير من الأحياء إلى الإهمال أو الاعتداء غير العمدي (كمحاولات تشويهه). للإشارة، فقد التزم الفنان بارة في بداياته بالأسلوبين “الواقعي” و«الانطباعي” لكنه سرعان ما اتجه إلى التنويع كي يعطي دفعا أكبر لمساره الفني، مارس مثلا الأسلوب “العفوي” (أسلوب الراحلة باية) ونجح فيه وحقق حضورا متميزا، وكذلك الاسلوب العصري و«التكعيبي” وفي هذا الصدد يقول “من يرى لوحة لي خاصة بمدينة سوق أهراس في أسلوب الواقع وأخرى عن جميلات الجزائر في الأسلوب العفوي لا يظنهما لنفس الفنان، وهذا دليل على التنوع والاختلاف المطلوب عند أي فنان. «العفوي” هو أسلوب يتسم بالبساطة في التشكيل والألوان والمواضيع لذلك يميل صالح إليه ويحاول أن يضع بصمته الخاصة فيه تماما كما استطاع أن يتميز الأسلوب الواقعي ليصل به إلى أسلوب الواقعية القصوى التي هي اختبار وتمحيص لقدرة الفنان وصبره على الإنجاز. في “التكعيبي” هناك لوحة متميزة هي “توجة والنافجة” أثار فيها الفنان جانبا من ذاكرتنا خاصة في مجال الأسماء التي اندثر بعضها كتوجة والنافجة، كذلك مع الأسلوب التعبيري في لوحات الفانتازيا التي تنطق إبداعا وتميزا. يقول الفنان “رغم كل هذه الأساليب الفنية التي هي ابتكار عربي، فإني أحاول أن أخضعها لهويتنا ومحليتنا الجزائرية قصد تقديمها للآخر المختلف، ليكتشف العادات والتقاليد والثقافة والمدن، هذه الأخيرة التي يبدو لي أن الغرب رسمها أكثر منا (خاصة العاصمة)، وبالتالي فإن من حقنا أن نرسمها بنظرتنا ووجداننا باعتبارنا أبناء هذه المدن. من جهة أخرى، أكد الفنان أنه مدمن على قراءة التاريخ نظرا لارتباطه بالحركة الفنية فكل مرحلة في التاريخ كان للفن التشكيلي دور فيها، لذلك فمن الضروري بمكان اكتشاف التاريخ لاكتشاف الفن، وهنا يؤكد على ضرورة حضور تاريخ الفن الجزائري والعالمي في منظومتنا التربوية. وفي هذا السياق، ذكر ل«المساء” أنه رأى ذات مرة في كتاب مدرسي جزائري نصا عن رائعة (لوحة) “لاقرنيقا” لبيكاسو، تعكس الحرب الأهلية الاسبانية لكن مقابل هذا النص لم توضع اللوحة وإنما وضعت لوحة لاعلاقة لها بالموضوع وهي عبارة عن مزهرية. الفن -يضيف الفنان- ساهم أيضا في كتابة التاريخ والدليل على ذلك الرسومات المنتشرة في التاسيلي والتي هي فن تشكيلي وليس شيئا آخر عمرها 12 ألف سنة تعكس الفن وتعكس معه حضارة تلك الفترة من حياكة وألوان ونشاط اجتماعي من صيد وحرب تظهر كلها في الرسومات. بالنسبة لمعرض الهيلتون، فإنه لم يخرج عن الإطار ويحاول عكس هويتنا وخصوصيتنا من خلال المرأة الجزائرية الممتدة عبر 20 لوحة والعاكسة لمختلف مناطق الوطن يقول الفنان “اكتشفت خصوصية المرأة الجزائرية بفضل أسفاري وتنقلي عبر مختلف مناطق الوطن خاصة في المعارض وفي الاسابيع الثقافية الممتدة طوال السنة فاكتشفت الكثير في جزائرنا الشاسعة وبالتالي جاء هذا المعرض الذي يشد الجمهور بألوانه وجلب السياح الأجانب الذين لا يتركون فرصة ليلتقطوا صورا لهم أمام اللوحات. أسلوب المعرض ينحصر في العفوي” و«التكعيبي” و«العصري” وأحيانا هناك مزج بين هذه الأساليب في لوحة واحدة مع استعمال الألوان الفاتحة والزاهية التي ترمز للمرأة عموما. للفنان أصدقاء من فنانين ونقاد عبر مختلف مناطق الوطن وخارجه، وحتى الأجانب علما أن ناقدة يونانية خصصت للوحاته حيزا في كتاب ستصدره قريبا، خاص بالفن التشكيلي. يبقى هذا الفنان متفائلا بالنهضة الثقافية التي تشهدها الجزائر خاصة منذ 2002 والتي انعكست على الفن التشكيلي، حيث فتحت الكثير من قاعات العرض والأروقة، حتى الخاصة منها وأصبح لكل ولاية صالون تشكيلي، ناهيك عن فضاءات العرض بالفنادق والمؤسسات. كما يأمل أحمد صالح في أن يرى قانون الفنان مجسدا في القريب العاجل.