تنبش مسرحية “الأوّل مكرّر” لمحمد إسلام عباس، في موضوع الانتماء والبحث عن الجذور، لما يجد المرء نفسه يكبر دون أب، وفي المقابل يقترب المخرج من نفسية ذلك الوالد الذي يعيش المغامرة دون أن يحسب للعواقب حسابا، لكن ما تلبث تداعياته تظهر في شكل صدام عميق يضرب الوجدان، هي حياة ضائعة بالنسبة للوالد “ساري”، وابنته “ريما”، تعكس حياة العديد من الأشخاص يعيشون في الضياع والنكران. تندرج مسرحية “الأوّل مكرّر” ضمن المسرح السردي، وجاء النص باللغة العربية الفصحى، تميّز فيها الممثل الواعد أحمد مداح، بطلاقة لسان وتحكّم في النطق، غير أنّ النص المؤدى على خشبة المسرح الوطني “محيي الدين بشطارزي” في إطار العرض الشرفي للعمل، مليئ بالأخطاء اللغوية والبلاغية أزعجت الجمهور المتفرّج، رغم أنّها احتكمت لمدقّقين لغويين. تبدأ المسرحية بسماع طرق للباب في ليلة ماطرة، وكان صاحب الحانة “ساري” غارقا في نوم رجل ثمل (أدى الدور الممثل أحمد مداح)، فيستيقظ بعد أن تمادت الفتاة “ريما” في قرع الباب حتى تفلت من تلك الليلة العاصفة، وتنال بعض الدفء، يشرع “ساري” في شرب الخمر وقد وفّر ل"ريما” كلّ ما تريد، ثم بدأ بالتقرّب منها بعد أن استعرض قصته وبطولاته الرجولية حتى يثيرها وتسقط ضحية لرغبته، حينها أوقفت الفتاة الرجل العابث عند حدّه، وفاجأته بحقيقة أنّها ابنته من احدى نسائه التي عاشرها في زمن مضى في إحدى أدغال إفريقيا، لكن “ساري” أو الأب يرفض الأمر جملة وتفصيلا، ويتنصّل من هذه المسؤولية، وفي الوقت نفسه يعترف أنّه جامع أم “ريما”، وأخبرها أنّه رجل يحب العيش وحيدا. في المنحى التصاعدي لقصة المسرحية، هناك تركيب غير منسّق، كأن يتحدّث ساري بلسان إنسان واع وهو في الأصل ثمل، في أحد المشاهد يأمر ساري، ريما بالخروج ويسحبها من شعرها، وهي ترد عليه “لماذا تحتجزني؟” وهو غير منطقي بتاتا مع السياق الذي جاء به الأداء. ويُحسب لأداء الممثلين واقعية التجسيد للمسك وتعنيف الفتاة، حيث أبدع أحمد مداح، في ذلك كما أبدع كذلك في التعبير عن حياة رجل مغامر مهووس بالترحال، يحيا حياة منعزلة. يعتقد المخرج محمد إسلام عباس، أنّ عمله من نوع المونودرام بحضور شريك، وحضور شخصية ريما هدفه إعطاء الجُمل من أجل إعطاء السيرورة وتنامي الشخصية الرئيسية للانفجار في النهاية، وقال أنّ النص جميل من نوع النصوص التجريبية، وفي الوقت نفسه يفتح المجال للمخرج لإعطاء صور جمالية تتمثّل في إشارات ودلالات بالنسبة للمتلقي. ويرى أنّ الإضاءة المستعملة ترجمت الحالة النفسية للممثلين، وهو ما يصطلح عليه بدراما نفسية، وإبراز أجواء القلق والبرودة، وتابع حديثه “المسرحية رسالة للمجتمع الجزائري وتتساءل ترى ما ذنب فتاة مثل ريما تبحث عن انتمائها وتبحث عن أبيها، وفي الوقت عينه هو كشف لتسلّط الرجل وتنكّره لأبناء من صلبه”. مسرحية “الأول مكرّر” من إنتاج تعاونية “الفضاء الثقافي”، كتب نصها الإماراتي صالح كرامة العامري، وأدى الأدوار كلّ من أحمد مداح، كنزة بوساحة، نور الهدى شقتيمي وسارة براهيمي، أما السينوغرافيا فقد وضعها حمزة جاب الله، بينما صمّمت سمر بن داوود الكوريغرافيا.