قدمت تعاونية الفضاء الثقافي العرض الأولي لمسرحية الأول مكرر لعباس محمد إسلام، بالمسرح الوطني الجزائري، العمل الذي يميل إلى المسرح الذهني ويدين التنكر للخطايا ورفض الآخر. المسرحية التي يؤدي بطولتها الرئيسية الممثلان (أحمد مداح) ساري الرجل العبثي الذي لا يؤمن بالآخرين ويعتقد أن الحياة هي نموذج فرداني، و(كنزة بن بوساحة) ريما الفتاة التي تبحث عن والدها المجهول وهو العبثي ذاته، ويسيطر البطلان على الركح من خلال حوارهما وحركاتهما. وتدور تفاصيل المسرحية في فضاء مغلق هو الحانة التي تعبر في تصور المسرحية عن فضاء منسي في ليلة ماطرة، حيث تقصدها الفتاة ريما لتجد نفسها أمام الرجل الذي طالما بحثت عنه، وتبدأ هنا تحديها في إقناعه بنسبها إليه دون جدوى. يصر ساري على حياته منفصلا ويتنكر تماما لنتائج ماضيه الذي عاشه كقبطان وزير نساء يغامر في أدغال إفريقيا، و ريما هي ابنته التي رفضها عند مولدها وصرخ هاربا من أمها ليست ابنتي . وتكون اللحظة القاسية في العرض عندما يهم الأب الرافض لأبوته بالاعتداء الجنسي على ابنته، وهي لقطة لم يرد لها المخرج أن تطول، لكنها أعطت المسرحية دفعا خاصة وأن الممثل أحمد مداح أتقنها رفقة الممثلة كنزة بن بوساحة . ورغم صدمتها تواصل الفتاة مسعاها لإقناع هذا الأب المهووس دون جدوى، وتبدو المسرحية وقد دخلت في حوار عبثي لا طائل منه، وهو ما أراده المخرج قصدا ليركز الاهتمام على شخصية ساري المركبة والعشوائية. ويبني المخرج رهانه على لعبة التكرار في النهاية، حيث يجد ساري نفسه مضطرا لتحمل عبء أكثر من ريما إنهن كثيرات يطرقن باب الحانة التي يتخذها ملجأ ورغم ذلك ينتهي العرض دون أن يتنازل عن موقفه من الحياة. وقد نجح السينوغراف حمزة جاب الله في الهروب بالعرض نحو فضاء إبداعي مميز، إذ اختار أن يضع عرضا موازيا من خلال الشاشة خلف الركح، الشاشة التي عبرت عن الذاكرة أحيانا وعن التكرار المقصود أحيانا، واختار ألوانا الداكنة (الأزرق الغامق والأسود) تتناسب مع الطرح العام للمسرحية.