تكشف مسرحية «خلوة الشيطان» لجمعية «انلماين» بآميزور (ولاية بجاية) التداعيات الجديدة لصراع الإيديولوجيات والأفكار في المجتمع الجزائري، فأعاد المخرج كمال دحماني صياغتها على الخشبة برصد الثنائيات المتضادة، موحيا بغياب إرادة في حل مشاكل الناس والسلطة. تصبح الحرية سجنا صعبا والتنصل منه أصعب، عندما يعتقد كل تيار فكري مهما كانت مرجعيته، أنه الوحيد الذي يملك مفاتيح الحقيقة والنجاح والتطوّر، جمعهم المخرج كمال دحماني في «خلوة الشيطان»، على اختلاف شخوصهم من؛ علماني وإسلامي وصاحب سلطة ونفوذ، وكذا المثقف والعامل الكادح الذي يمثّل طموح الشعب في حياة كريمة، وأضاف المخرج شخصية الشيطان التي كانت توقع بهؤلاء في شر وسوساته. تدور أطوار المسرحية التي عرضت أول أمس بدار الثقافة لولاية مستغانم وتتنافس على جائزة مهرجان مسرح الهواة، حول عطب آلة راقنة، تريد شخصيات المسرحية أن تصلحها لمواصلة كتابة قصة، فيحدث شدّ وجذب في اللغة التي سيكتبون بها ومضمونها، وكل واحد منهم يجزم أنه على حقّ في ما يدعيه، لكن المشكلة ليست في المحتوى بقدر ما هي في العطب الذي لم يتم إصلاحه، لأن كل واحد منهم لا يسمع إلا نفسه وكل واحد يتهم الطرف الآخر بأنه وراء هذا العطب. يحضر العقل ويغيب من خلال شخصية الكاتب على آلة الرقن، وسط المشاحنات بين الإسلامي والعلماني، ويشير العمل المسرحي إلى إلغاء الطرف الحكيم والرزين الذي يحاول جمع كل الشخصيات والاتفاق على رأي واحد سليم يعود بالنفع على الجميع، رأي يكون منطقيا بعيدا عن الفردانية والتعسف والأنانية. العمل الذي قدم باللغة الأمازيغية، لم يواجه صعوبات في توصيل رسائله إلى الجمهور المستغانمي، بفضل لغته السيميائية الواضحة واختيار رموز وإيحاءات كانت أبلغ تعبيرا من الحوار، إذ استمتع الجمهور بالعرض الذي دام حوالي 70 دقيقة. فعلى خشبة المسرحية ووسط سينوغرافيا بسيطة - لكنها أدت معناها-، يوجد مجسم لامرأة، وعن سبب هذا الحضور يؤكد المخرج على أنه وجد المجتمع ينظر إليها كجسد فقط، لذلك اكتفى بجسد جامد يجسدها وكذا صوت يخاطب المجتمع تدافع به عن نفسها على أنها كائن إنساني ولا يخول لأحد أن يتكلم مكانها، إذ لها فكر وفم يمكن أن تعبر بهما. وفيما يخص الإضاءة، لم يوفق فريق المسرحية في استغلالها بالشكل المناسب، كذلك بالنسبة للموسيقى، مرت مشاهد قوية كانت تحتاج إلى لمسة من الضوء والموسيقى، وسارت المسرحية على نحو سردي متواصل يوقع المتفرج في بعض الفترات بالملل، لكن سرعان ما يتم تداركه بحادثة أخرى لرفع إيقاع القصة من جديد، أو ما يسمى بتقنية الهدم والبناء في العمل الدرامي التي تميّزت بثقل ورتابة إلى حد ما. يذكر أنّ اليوم الثالث من المنافسة، وإلى جانب عرض «خلوة الشيطان»، عرف عرض مسرحية «عويل الزمن المهزوم» للمخرج إسماعيل خلف عن جمعية «الناقوس» للمسرح والسينما لولاية الأغواط. مبعوثة «المساء» إلى مستغانم: دليلة مالك