كان قطاع البناء بوابة لدخول العمالة الصينية للأسواق الجزائرية قبل أن يحتكروا مهن البناء ويتوسعوا من ورشات البناء التابعة للمؤسسات الصينية إلى ورشات بناء المقاولين الجزائريين وحتى مواقع بناء منازل الخواص، وحسب آخر إحصائيات وزارة التشغيل والتضامن الوطني حول اليد العاملة الأجنبية بالجزائر في السنوات الأخيرة فقد تضاعف عدد العمال الصينيين في قطاعات البناء والأشغال العمومية والمياه والسدود والاستكشافات النفطية ليزيد عن 13 آلف عامل وهو ما يمثل 45 بالمائة من اليد العاملة الأجنبية بالجزائر، وهو ما دفع بالمختصين في قطاع البناء إلى الإعلان عن حالة الطوارئ مبدين تخوفهم من انتشار اليد العاملة الصينية والانعكاسات المستقبلية على القطاع خاصة في مجال اليد العاملة الجزائرية التي تكونها حاليا مراكز التكوين المهني ، كما لمح المختصون إلى عدم احترام الشركات الصينية في مجال البناء بنود اتفاق الشراكة مع وزارة السكن في شقه المتعلق بنقل الخبرة والتجربة لليد العاملة الجزائرية في الوقت الذي لم تتعد مهام العمالة الجزائرية في ورشات البناء الصينية مجالات الحراسة والسياقة· كثر الحديث في أوساط الشارع الجزائري في الفترة الأخيرة عن انتشار اليد العاملة الصينية في ورشات البناء التابعة للخواص كأفراد أو مقاولين خواص وذلك وسط استحسان الزبائن والسبب يعود إلى سرعة الانجاز ونوعية العمل بالإضافة إلى الأجور الزهيدة التي يطلبونها مقارنة بطلبات اليد العاملة الجزائرية التي تنقصها الخبرة في مجال مهن البناء، بعد ابتعاد الشباب عن التكون في هذا المجال منذ عدة سنوات لتبقى مهن البناء والتبليط والدهن حكرا على فئة معينة من الشباب ممن لم يوفقهم الحظ في الدراسة وذلك من دون المرور على مراكز التكوين المهني، حيث وجدوا في مهنة البناء في المناطق الحضرية الكبرى مدخولاً جيداً، كما فسر لنا أحد الشباب نجاح عمله بالعاصمة الى نفور العاصميين من العمل كحمالين أو بنائيين في ورشات البناء وهو ما سمح لشباب الولايات الداخلية باستغلال فرصة الظفر بعمل بالعاصمة، وهو الإشكال الذي لطالما رفعه المقاولون الخواص والمجمعات الكبرى للبناء، للسلطات العليا والمتعلق بقلة اليد العاملة المؤهلة، الأمر الذي استوجب على مؤسسات البناء الأجنبية التي ظفرت بمشاريع بناء بالجزائر ضمن مشروع مليون سكن، جلب اليد العاملة المؤهلة من بلدانها منها الشركات الصينية التي اضطرت في المدة الأخيرة الى مضاعفة عمالتها بالجزائر بعد التأخر الذي سجلته في ورشاتها بسبب انعكاسات مرض" سارس"، لكن غياب الرقابة على الورشات واكتشاف العمالة الصينية لفرص الشغل بالجزائر جعلهم يحتكرون مجال مهن البناء بعد أن استغلوا أوقات راحتهم للاشتغال عند الخواص كما قاموا باستقدام أهلهم وأصدقائهم للعمل في ورشات البناء الجزائرية بطرق غير شرعية· السرعة في الانجاز والجودة والأجور الزهيدة كانت الدافع الأساسي لتوظيف عدد من المقاولين الجزائريين الخواص للعمال الصينيين بطرق غير شرعية، حيث لا يتم التصريح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي للأجراء، ولدى استفسارنا عن الوضع لدى بعض هؤلاء المقاولين هناك من أنكر الأمر وهناك من أكده لكنه رفض الإفصاح عن هويته، مؤكدين في هذا الصدد أن قانون السوق الجديد المرتبط بالعرض والطلب والنقص الفادح في اليد العاملة المؤهلة كانا السببين الرئيسيين في قبول توظيف العمالة الصينية في ورشات البناء، فلا يمكن إنكار منافع اليد العاملة الأجنبية على حد تعبيرهم خاصة إذا علمنا أن الأجور التي يطلبونها زهيدة جدا مقارنة بتلك التي يطلبها العمال الجزائريون وهو نفس رأي الخواص الذين يشيدون سكناتهم الخاصة أو يقومون ببعض الترميمات، حيث كشف لنا احد سكان بلدية حيدرة انه اضطر خلال فصل الصيف الفارط للقيام ببعض الترميمات في مسكنه فجلب بناء جزائريا حدد له تكلفة الأشغال ب40 ألف دج وهو مبلغ خيالي على حد تعبير المتحدث قبل أن يجلب له جاره عاملا صينيا كان يشتغل في منزله والمفاجأة كانت أن العامل الصيني طلب نظير أتعابه 14 ألف دج للقيام بنفس الأشغال بشرط انه لا يأتي الى المنزل إلا بعد الساعة السادسة مساء وهو ما قبله المتحدث، وزادت حيرة المتحدث عندما حدد العامل فترة الأشغال في أقل من أسبوع في الوقت الذي كانت محددة مع العامل الجزائري في 15يوما· ومن جهته قام صاحب المنزل بإرسال العامل الصيني الى صديقه كان بصدد بناء منزل فردي، ومنه يجزم المقاولون والخواص على أن اليد العاملة الصينية في البناء ساهمت الى حد كبير في حل مشكلة نقص اليد العاملة المؤهلة لكن بالمقابل يعد انتشار اليد العاملة الأجنبية محل استياء وسط العمالة الجزائرية والمختصين بمجال التعمير والبناء خاصة المتربصين الجدد بمراكز التكوين المهني في مجال البناء· ويبدي المتربصون في مراكز التكوين المهني (تخصص بناء) في ذات السياق قلقاً على مصيرهم المهني الذي تهدده العمالة الصينية، مشيرين إلى أن انخفاض أجورهم لا يعكس قيمة العمل الذي يقومون به من منطلق أنهم يستغلونها في توفير لقمة العيش فقط، في حين يتم إرسال أجورهم بالعملة الصعبة إلى ذويهم بالصين، كما أن العامل الجزائري ونظرا لتدني الظروف المعيشية لا يمكنه تخفيض أسعاره· ومن جهته كشف زميل له بنفس المركز أن العمال الصينيين انتشروا في عدة ولايات ولا يمكن الإنكار أن لديهم الخبرة والسرعة في العمل لكن لا يمكن ضمان الجودة بالإضافة إلى ذلك فإن الطبيعة العمرانية للجزائر تعكس عمق حضارتها الإسلامية وهي المهارات التي يجهلها الصينيون الذين لهم طابعهم الخاص في البناء·
جمعية المقاولين تدعو إلى تحقيق بورشات الشركات الأجنبية أكد السيد خلوفي مولود رئيس الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين ل "المساء" أن قانون التشغيل بالجزائر واضح في شقه المتعلق بالشراكة مع الأجانب، حيث يفرض على الشريك نقل الخبرة والتجربة للشركات الجزائرية، خاصة في مجال اليد العاملة المؤهلة، لكن فيما يخص الشركات الصينية لم تف بشروطها، حيث منذ دخولها السوق الوطنية لم نسمع أنها كونت عمالا جزائريين بل بالعكس وظفت جزائريين في مهن الحراسة والسياقة لا غير، في الوقت الذي توسع نشاط العمال الصينيين ليمس باقي ورشات البناء التابعة للمقاولين الخواص وحتى الأفراد، لذلك طلبت الجمعية من وزارة العمل الشروع في تحقيق عام لظروف العمل داخل الورشات التابعة للشركات الأجنبية للوقوف على مدى مطابقة العمل مع دفتر الشروط وإحصاء عام للعمالة الأجنبية بالجزائر، والجمعية جاهزة للمشاركة في حملة التحقيق· ولم يخف السيد خلوفي إقدام عدد من المقاولين الخواص على توظيف عمال صينيين في ورشاتهم، مرجعا السبب الرئيسي لذلك الى قلة اليد العاملة المؤهلة وتعطل المشاريع الأمر الذي جعل المقاول يدفع غرامات بسبب عدم احترام آجال التسليم وغالبا ما تصل الأمور الى سحب المشروع، لكن العمال الصينيين تمكنوا في وقت قصير من اكتساب ثقة الجميع لكن دوام الحال من المحال، حسب السيد خلوفي، لأن الحل الصيني يجب أن يكون على المدى القريب فقط، وإيجاد حلول مقنعة لمشكل اليد العاملة الجزائرية على المدى البعيد وذلك من خلال التكوين داخل المراكز وبورشات العمل· *