أكد وزير المجاهدين، السيد محمد شريف عباس، أن استرجاع السيادة الوطنية، يبقى تاج الإنجازات التي تحققت للأمة دون الإنقاص من أي من هذه الإنجازات الوطنية.وأوضح السيد الوزير، في حديث خص به "المساء"، بمناسبة إحياء الذكرى السادسة والأربعين المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب، أن الاستقلال كان اللحظة الأكثر روعة في لحظات التاريخ الجزائري، كما كان بوابة الانتصارات الأخرى.كما تطرق الحديث مع السيد الوزير إلى قضايا تتعلق بأبعاد قانون المجاهد والشهيد، وملف المجاهدين المزيفيين، وجرائم الاستعمار الفرنسي وتأثيرها على العلاقات بين البلدين ومهمة كتابة تاريخ الثورة. المساء : كيف يرى معالي وزير المجاهدين مسيرة الجزائر المستقلة بعين المجاهد؟ السيد شريف عباس: قد تتنوع الآراء عند الحديث عن مسيرة الجزائر المستقلة، ماحققته ومالم تفلح في تحقيقه، وهل كان بالإمكان أن يأتي الحصاد بأفضل مما كان الى غير ذلك من التساؤلات التي تعتبر طبيعية ومشروعة. وقد تختلف الآراء في تقدير الجهد الذي بذل على مختلف المستويات وفي شتى الميادين إما لبواعث ذاتية طيبة قوامها الطموح الفياض والتطلع الى ماهو أفضل، أو قد يكون هذا التقدير الذي يفتش عن نقاط ضعف لمقاصد أخرى أقل ما يقال عنها أنها ناجمة عن اهتزاز في بعض النفوس، وانبهار مرضي مما يكون قد تراكم في جهات أخرى. وفي الغالب ما لا تعتني مثل هذه المواقف التقديرية بالاختلاف الزماني والمكاني وبالطاقات وحجم القدرات المتاحة، والتي تعتبر من العوامل الحاسمة في صناعة حجم أي حصاد كان. وبصرف النظر عن هذا الفصيل أو ذاك فإنه لا يمكن لكل جزائري عاش مرحلة الاستعمار بآلامها وجراحها وكتبت له الحياة ليعيش فرحة الاستقلال بآمالها وتطلعاتها في العيش بكرامة وسيادة في بلده، ليس من السهل عليه أن يختصر سنوات الاستقلال في مجرد تقدير لما تحقق من غرس للشجر وبناء للحجر. الاستقلال بحد ذاته، بكل ما يرمز إليه، وما يعنيه من كسر للأغلال، واستعادة للسيادة وإعادة لربط الوصل بالمسار الهوياتي والحضاري للوطن وللأمة.. هو إنجاز عظيم تقع دونه جميع الانجازات الأخرى مهما علا بناؤها أو غار أساسها. لذلك فمفهوم الاستقلال والمسار الذي قطعه في عيون هذه الشريحة من أبناء الأمة التي خرجت من رحم المعاناة وسايرت قوافل لا محدودة ممن نال شرف الفوز بالشهادة في ميدان النزال، وشاركت في تضميد جراح الآلاف من الضحايا والمعطوبين والأيتام والأرامل واللاجئين، هذه الفئة لا يمكنها بأي حال إلا أن تضع الاستقلال وما تم في ظله طوال العقود الماضية في اتجاه واحد هو الاتجاه الإيجابي، مهما كانت الصعوبات التي ظهرت، وحالات الضعف التي اعتراها من حين لآخر بسبب عوامل عديدة. الإستقلال كان التتويج لحلم ذهبت أجيال من آبائنا ولم تر نوره أو تشم نسماته ولو للحظات، وهو الضابط للمصير والمحدد للمستقبل ومساره وصيرورته ولذلك فإنه لا يمكن أن يقدر بأرقام أو يقاس مفعوله بنجاح أو اخفاق في مشروع جزئي ما، لا سيما إذا كان استقلالا من الصنف الذي حققه الجزائريون وبالضريبة التي دفعوها من أجل تحقيقه. ولكن بالرغم من أنه كان اللحظة الأكثر روعة في لحظات التاريخ الجزائري إلا أن الجزائر قد اعتبرتها لحظة الانطلاق والتصميم على تحقيق الانتصارات الأخرى، وأن تكون بداية لعهد آخر تأخذ فيه قوى المستقبل زمام المبادرة والعمل على بناء واقع آخر نقيض لواقع البؤس الموروث. وتمكنت الجزائر بفضل همة أبنائها العالية وعزيمتهم من التأكيد للعالم أجمع بأن ثورة التحرير الوطنية بقيادتها السياسية والعسكرية كانت تملك مشروعا للتحرر والبناء، وضع الكفاح المسلح كأولوية ووسيلة ولم يكن غاية في حد ذاته، وكان هدفه الأسمى تحرير الإنسان وبسط السيادة الوطنية على الإقليم والثروات. وهكذا فقد عملت الدولة الجزائرية مباشرة بعد جلاء الاحتلال من أراضينا على تلبية أقصى ما يمكن من حاجيات المواطنين بوضع كل البنيات والتجهيزات الاجتماعية والاقتصادية اللازمة ليتحولوا من حياة البؤس والحرمان والشقاء الى بناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم عبر الشروع في تنفيذ المخططات التنموية وبسط السيادة الكاملة على الثروات، والإنجازات التي تحققت على كافة المستويات تشهد على ذلك بالرغم من بعض الهفوات والكبوات التي لا ينجو منها فارس. كيف ترون دور الأسرة الثورية في حماية مكاسب الشهداء والمجاهدين؟ دور الأسرة الثورية في حماية المكاسب التي حققها الشهداء والمجاهدون لصالح الوطن لا يختلف عن الدور الذي يقوم به بقية المواطنين. فالمكاسب التي تحققت بفضل الشهداء والمجاهدين هي لصالح الجزائر والجزائريين ولم تكن حكرا على الأسرة الثورية، غير أن قربها من أسرة الشهيد والمجاهد يجعلها مرشحة لأن تتحمل المسؤولية أكثر من غيرها في الدفاع عن هذه المكاسب وتثمينها. ماهي الأبعاد الاجتماعية والمعنوية لقانون المجاهد والشهيد؟ جاء قانون المجاهد والشهيد لتحديد المبادئ والقواعد التي تحكم المجاهدين وذوي حقوق الشهداء ولحماية وصيانة التراث التاريخي والثقافي لثورة التحرير الوطني وترقيته، وهو محصلة لمسار تشريعي وتنظيمي بدأ سنة 1963 باصدار أول نص تشريعي يتعلق بحماية ضحايا حرب التحرير الوطني. ويرمي قانون المجاهد والشهيد في بعده الاجتماعي الى ضمان الحياة الكريمة للمجاهدين وذويهم وذوي حقوق الشهداء وتوفير الرعاية الصحية لهم، كما يرمي الى جانب ذلك الى الحفاظ على الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري من خلال اهتمامه بحماية المآثر والتراث التاريخي والثقافي بكل مكوناته. أسالت قضية المجاهدين المزيفين كثيرا من الحبر في المدة الأخيرة ماهي خلفيات هذا الملف وماهي حقيقته؟ أود في البداية أن أوضح بعض المفاهيم وهو أننا كمجاهدين لا يمكن لنا أن نسمح بأن ينسب التزييف للجهاد والمجاهدين، وبالتالي لا يسوغ الحديث عن مجاهدين مزيفين بل يفضل الحديث عن حالات لمنتحلي الصفة. ولقد عملت الوزارة ولجان المنظمة الوطنية للمجاهدين على معالجة هذه الحالات بجدية ورصانة وهدوء، وبينت الحالات التي تنطبق عليها صفة الانتحال أنها كانت نتيجة لسوء تقدير طالبي الحصول على العضوية لنوعية المشاركة أو المساهمة في الثورة ومستواها، ولجهل البعض الآخر للمعايير والشروط التي يجب توفرها للحصول عليها. إلا أن هذا لا يعني عدم وجود حالات أخرى لأشخاص لا ضمير لهم استعملوا طرقا تضليلية لإدعاء شرف لايستحقونه كوسيلة للنهب والاستيلاء على حقوق الغير. وأعتقد أنه لعوامل تتعلق بالبحث عن الإثارة والرواج في السوق تناولت بعض الجرائد هذا الموضوع بكثير من الحماس والمعالجة المتكررة، ولم تأبه الى ما ينجم عن مثل هذه المعالجات من نتائج لاحقة مؤثرة على الصور الحقيقية للمجاهدين والجهاد، وهو ما يجعلها بطريقة لا مقصودة تخدم وتصب في بيدر الآخر الذي ينتظر مثل هذه المغالطات والمبالغات. وإنه ليحزنني عزوف هذه المنابر عن تخصيص ولو القدر الأدنى من الاهتمام للثورة التحريرية التي كانت وستظل مفخرة الشعب الجزائري والأحرار، أو عن بطولات وملاحم الشهداء الأبرار، ولا نكاد نسجل أدنى حضور لها لدى استحضار ذكريات الثورة ورموزها وغيابها شبه الكامل عن كل عمل لنقل هذا التراث الى الأجيال. كيف تنظرون إلى مسؤولية فرنسا اليوم عن جرائمها الاستعمارية بالأمس وتأثيرها على مستقبل العلاقات بين البلدين؟ لا شك في أن فرنسا الاستعمارية قد اقترفت من الجرائم والآثام ما لا يمكن حصره. وقد تعرضت أجيال الشعب الجزائري طوال الاحتلال لأصناف بشعة من التنكيل والقمع والظلم والحرمان. وكانت الجزائر خلال قرن وثلث القرن المخبر الذي مارست فيه كل ما يتناقض مع الطبيعة والوجود البشري بفعل ما قامت به من نفي وتقتيل وتعذيب وطمس لمعالم الشخصية الوطنية، وما قامت به كذلك من نهب لمصادر الثروة والعيش، وتحويل للأراضي ولنوعية المنتوجات بما يخدم مصالح المتروبول. والاستعمار كعدوان، وكفعل مضاد لكل حركة ايجابية يبقى عارا على جبين من اقترفوه. ولكن الذي يهمنا أيضا هو أن ندع المفكرين والمؤرخين الوطنيين يسجلون هذه الوقائع بكل دقة وأمانة ويستخلصون ما فيها من دروس تفيدنا في تأطير حركة الحاضر والمستقبل. لقد كان الفعل الاستعماري فعلا تدميريا اباديا ماسخا للذات وللهوية، ولكن كان هناك أيضا عندنا فعل مضاد متمسك بالوجود ومتحد لعوامل المسخ الحضاري وبرهن أن ارادة البقاء هي غالبة في الخير على ارادة الافناء. واعتقد أننا حين ننجح في وضع كل ماجرى في اطاره التاريخي والحضاري من جانبنا ومن جانب الآخر أيضا، ونكف عن الاستغلال المشحون بالدفائن لوقائع التاريخ (ومثال ذلك قانون 23 فيفري الفرنسي لوقائع التاريخ خير دليل على ذلك). فاننا نساعد على تهىئة أفضل الأجواء لعمل مشترك يتماشى في هذه المرة مع المسار الايجابي الأصيل للتاريخ الذي يقوم على التعاون والتكافىء ومراعاة المصالح المشتركة. ولا بد في هذا السياق أن نشيد بالجهود التي يبذلها الكثير من أصحاب الضمائر الحية والأوفياء لخط أولئك الذين ساندوا قضيتنا العادلة من الفرنسيين أثناء الكفاح المسلح وما بعد والى غاية هذه الأيام بما يقومون له من نشاط فكري وانساني راق يدين الممارسة الاستعمارية، ويساند حقنا المشروع في أن تتحمل فرنسا مسؤوليتها التاريخية والقانونية في كل ما اقترفه أسلافهم من جرائم وآثام. مثل هؤلاء وغيرهم من أعضاء الجمعيات المدنية الفرنسية الذين يعبرون صراحة عن رفضهم لسياسة التزييف والتنكر، هم أفضل الجسور التي تلتقي مع جسور الإرادة المخلصة عندنا لتعاون بناء مهيئ لأن يتطور الى أعلى المستويات اذا توفترت الظروف الملائمة لذلك وزالت الرواسب والعوالق التي تظهر من حين الى حين، لأن الشعوب بطبيعتها بما في ذلك الشعب الجزائري والشعب الفرنسي لا تتطلع الا الى مستقبل أفضل للتعاون والتبادل في إطار المصالح المشتركة المتعادلة. كتابة تاريخ الثورة مطلب وطني ملح فكيف تقيمون هذه المهمة اليوم؟ يحظى جانب كتابة تاريخ الثورة، والمقاومة الوطنية للشعب الجزائري بصفة عامة بصدارة الاهتمام، وهو اليوم واحد من المهام ذات الأولوية التي نوليها كل العناية، بل إننا وخاصة فيما يتعلق بحماية وجمع المادة التارخية، واحصاء وتهيئة وصيانة الشواهد التاريخية والمواقع الأثرية في سباق مع الزمن لحمايتها وجمع ما يجمع منها ووضعها بين يدي المؤرخين والباحثين للتسجيل والتدوين. التاريخ هو ساحة من ساحات معارك اثبات الوجود، وهو تحصين للحاضر وزرع للمستقبل. ولقد انطلقنا في مشاريع متكاملة هيكلية ومؤسساتية وعلمية بفضل المساحة المشجعة التي أتاحها برنامج فخامة رئيس الجمهورية و المؤازرة والسند المباشر الذي نلقاه منه للإسراع في كتابة وتدوين تاريخ هذه الملحمة الكبرى للثورة بطريقة علمية وموضوعية وجادة. والعمل في ذات الوقت مع كل القطاعات الأخرى ليكون هذا التاريخ المجيد حاضرا بالفعل لا بالقول في الوجدان الجماعي للأمة، ولا سيما منها الشريحة الشبانية التي تعتبر أكثر عرضة لمخاطر انقطاع الأوصال بهذا المنبع وهذا الرصيد الذي لا مثيل له ولا بديل عنه.