تمسك فرنسا اليوم برفض تسليم ما يمكن أن نسميه في وقته المدفع العملاق "بابا مرزوق" بحجة أن "البحرية الفرنسية تبدي ارتباطا خاصا بهذه القطعة الحربية الهامة التي تخلد مساهمة البحرية الفرنسية في مرحلة مجيدة في تاريخها العسكري. هذا كان موقف وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال أليوت ماري في وقتها (2005) وهو رد يؤكد أن الأفكار الاستعمارية مازالت معششة في أذهان بعض الأوساط الفرنسية الرسمية وغير الرسمية التي تعمل بمناسبة وبغير مناسبة للترويج لفكرة تمجيد الاستعمار والتغطية على المآسي التي تسبب فيها للشعوب المستعمرة وعلى رأسها الشعب الجزائري، الذي جاء استعماره نتيجة اطماع توسعية واستغلال خيرات البلد والإعتداء على ممتلكات سكانه ونهبها بدءا بالأموال وانتهاء بالأملاك العقارية مرورا بكل ما هو ثمين وذو قيمة كما هو حال جوهرة المنظومة الدفاعية البحرية مدفع "بابا مرزوق". وقد جاءت صناعة هذا المدفع تتويجا لتحصين مدينة الجزائر في 1542 في عهد حسن باشا ومن مميزات المدفع العملاق بابا مرزوق أن طوله سبعة أمتار ومداه يصل إلى حوالي خمسة كيلومترات وبالتحديد 4872 مترا. وعلى مدى عقود صنع "بابا مرزوق" مجد البحرية الجزائرية ودفاعات مدينتها حيث تكسرت أمامه كل محاولات غزو المدينة بدءا من حملة لويس الرابع عشر بقيادة الأميرال أبراهام دوكيسن في 1671، ثم حملة ثانية على المدينة سنة 1688وهذه المرة بقيادة الأميرال "إيسترى" بدون جدوى. وبعد قرن ونصف تقريبا عززت فرنسا ترسانتها العسكرية البحرية واغتنمت حادثة المروحة في 1827 ليبعث شارل العاشر بحملة سماها بالعقابية في ماي 1830 قوامها 675 باخرة حربية و37000 عسكري نزلوا بغرب العاصمة بساحل سيدي فرج واحتلت العاصمة في الخامس من جويلية 1830. وفي عام 1833 قرر الأميرال فيكتور غي دوبري نقل "بابا مرزوق" إلى فرنسا وبالتحديد إلى مسقط رأسه بمدينة بريست حيث نصب في إحدى الساحات وقد نقش عليه"إفريقيا المحررة، المنعشة والمنارة بأفضال فرنسا والحضارة"، كما وضعت على فوهته كرة تحت قدم "ديك" (رمز فرنسا) يبينها وهي تهيمن على العالم. غير أن تمسك الجزائريين بهذه التحفة لم ينقطع ولم يفتر حيث كان موضوع مطالبة من خلال عريضة تقدم بها محاربو شمال افريقيا في 1912 وتلتها المطالبات من خلال جمعيات وشخصيات جزائرية وغير جزائرية رأت بأن مكانه الطبيعي والتاريخي هو الجزائر العاصمة. وتأتي هذه المطالبة بإعادة "بابا مرزوق" بعدما استعادت ألمانيا تمثال أبولون الذي كان منصبا عند مدخل براندبورغ بمدينة برلين وكان استولى عليه نابليون وأخذه إلى فرنسا. ومن هنا فإن تصفية الإرث التاريخي بين الجزائروفرنسا يمر حتما عبر تفهم فرنسا لحقوق الشعب الجزائري ولمخلفات الماضي الاستعماري بالجزائر على المستويات المادية والمعنوية والثقافية والاعتذار على ما اقترفته في هذه الحقبة المظلمة من تاريخ فرنسا الاستعماري.