"اللي يحب رخصو ، يخلي نصو" مقولة شعبية لطالما رددها المجتمع الجزائري سابقا للحديث عن المنتوجات المقلدة بالسوق، حيث يشير المثل إلى أن الذي يريد شراء منتوج رخيص الثمن فإنه لا محالة سيشتكي فيما بعد من انعكاساته، وهو الإشكال الذي يعاني منه المستهلك الجزائري والمنتجون المحليون على حد سواء فلا أحد منهم راض عن الوضع الحالي للسوق الجزائرية التي تعاني من السوق الموازية الممثلة في المنتوجات من مختلف الأنواع التي تباع على قارعة الطريق بأسعار جد مغرية تشد انتباه الطبقة المتوسطة والضعيفة من المجتمع فمن منا لم ير النسوة يتوقفن عند الطاولات المنصوبة وسط الأسواق لاقتناء مستحضرات التجميل أو العطور، فالعلامات التجارية الكبرى موجودة مثل "بورجوا" ، " ماسكارا" ، "روك" أو "لوريات" أسعارها لا تزيد عن 300 دج، إذاً فهي معقولة، لكن هل هي أصلية ؟ هنا يطرح السؤال بشدة خاصة وأن الأمر يتعلق بصحة المستهلك، من المسؤول عن الرقابة ؟ وكيف يتصرف المنتوجون المحليون مع الوضع ؟ أسئلة طرحناها على عدد من مسؤولي المؤسسات الوطنية للبحث معا عن الحلول . أصبح من الصعب علينا اليوم اقتناء منتوجات أصلية خاصة في مجال مواد التجميل أو الأجهزة الكهرومنزلية أو حتى الألبسة، فبعد غزو البضائع الصينية السوق الوطنية اختلط الحابل بالنابل وسط انخفاض القدرة الشرائية، ومن جهتهم يشتكي المنتجون المحليون من المنافسة غير الشرعية للسوق الموازية الممونة بالبضائع المقلدة والمغشوشة التي تضر بصحة الإنسان بالدرجة الأولى، ورغم كل سلبيات السوق الموازية التي أصبحت بالإضافة إلى الضرر الذي تلحقه بالإنتاج الوطني، تنفر المستثمرين الأجانب بسبب عدم استقرار السوق وغياب الرقابة. مشاركة المؤسسات الوطنية بالمعرض الدولي للجزائر مؤخرا كان فرصة لرفع مطلبهم التقليدي للمسؤولين والخاص بتشديد الرقابة وقمع السوق الموازية التي أدت إلى إفلاس العديد من المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، وهو نفس الطلب الذي طالما رفعه المنتجون الجزائريون سواء من خلال الجمعيات الوطنية التي أنشئت أو من خلال اللقاءات مع وزارة التجارة بمختلف فروعها، حيث أكد العديد منهم أن فتح السوق لم تسايره مخططات لحماية المنتوج الوطني ومساعدته على إيجاد مكانه في الأسواق العالمية بالنظر إلى نوعيته الجيدة بشهادة المستثمرين الأجانب الذين زاروا عددا من المصانع الجزائرية في مختلف القطاعات، منها الصناعات الغذائية، النسيج ، الأدوات الكهرومنزلية.... وغيرها.. منتجو مواد التجميل يدقون ناقوس الخطر يعتبر قطاع إنتاج مواد التجميل الأكثر تضررا من السوق الموازية والغش والتقليد، وهو ما أكده السيد بلعروسي مسؤول مخابر "ايبار" حيث يتسائل كيف لوزارة التجارة الاعتراف بتداول 50 بالمائة من البضائع المقلدة بالسوق الوطنية في الوقت الذي لم يتم فيه اعتماد إستراتيجية وطنية للحد من اتساع رقعة السوق الموازية التي أصبحت تهدد استقرار المنتوج الوطني الذي وجد نفسه بين جبهتين، الأولى تخص منافسة المنتوجات الأوروبية بعد الانضمام لمعاهدات مع الاتحاد الأوروبي، والثانية البحث عن الاستقرار وسط المنافسة غير الشرعية للسوق الموازية »التي أفقدت تلك الثقة التي تمكنّا من اكتسابها وسط المستهلك الجزائري خلال تعاملنا معه لمدة طويلة«. وعن نوعية القضايا المتعلقة بالتقليد والتي تعرضت لها سلع المؤسسة أشار المسؤول إلى أنها كثيرة ولا يمكن تعدادها، وكان آخرها عملية تقليد نوع من العطور الموجه للرجال " سيكوريتي"، حيث »وجدنا منتوجا يحمل نفس المواصفات من حيث التعليب وتسمية العطر بالسوق وهو ليس من إنتاجنا حيث تضرر منه المستهلك، وتمكنا من خلال التحقيقات التي قمنا بها من التوصل إلى الورشة التي كانت تستغل في الإنتاج وكانت بولاية سطيف، وتمكنا بشق الأنفس من إقناع المنتج بتوقيف إنتاجه وإلا سيتم متابعته قضائيا« مضيفا أن التاجر المقلد توقف، ويمكن أن يكون قد وجد منتوجا آخر يقوم حاليا بتقليده، وفي نفس الإطار أشار ممثل شركة "كاميرا للعطور" إلى تعرض إحدى منتوجاته المحمية من طرف الديوان الوطني لحماية الملكية الفكرية، واضطر هو الآخر للبحث عن مصدر المنتوج المغشوش قبل أن يصل إلى ورشة بنفس الولاية، وعند التقرب من التاجر المعني يقول مصدرنا اندهش للطريقة التي استقبل بها والتي أقل ما يقال عنها إنها لبقة، حيث اعتذر المعني من مسؤول المؤسسة وأكد له عدم تقليد المنتوج مرة أخرى، في حين يشتكي مسؤولو شركة "سبلانتيد" من التقليد الذي مس قرابة 20 منتوجا تابعا لها، منها معجون الأسنان ومثبت الشعر وعدد من أنواع العطور حيث تساءل ذات المسؤول عن سبب صمت السلطات الوصية أمام اتساع التجارة الموازية في الوقت الذي وجد فيه نفسه يكافح بلا سلاح المنتوج المقلد الذي أثر سلبا على المنتوج الوطني وساهم في عزوف رجال الأعمال الأجانب عن دخول السوق الجزائرية. الاستثمار في التعليب لمكافحة التقليد أمام غياب الرقابة وميكانيزمات مكافحة الغش والتقليد، اختار عدد من منتجي مستحضرات التجميل والعطور الاستثمار أكثر في منتوجهم لحمايته من السوق الموازية، وهو ما أشار له السيد بوعوينة بوعلام مدير مؤسسة "ميس فلاورس باريس" حيث ركزت مؤسسته على الاستثمار في التعليب من خلال اختيار أنواع وأشكال لا تسمح لأي منتج تقليد العطور لأنه سيخسر فيها لا محال بسبب ارتفاع تكلفة صناعة أو شراء العلب، وفي ذات الشأن أكد المسؤول أنه تعرض في السابق إلى تقليد لأحد منتوجاته الأمر الذي دفعه إلى البحث عن وسيلة تسمح له بحماية علامته في السوق قبل أن يتوصل إلى اختيار نوع جديد للتعليب يتماشى والمنتوج المسوق الذي هو عبارة عن عطور معبأة في قارورات من مختلف الأحجام يصعب تقليدها بالإضافة إلى علب بشكل صناديق صغيرة مع اختيار النوع الرفيع من الورق. في حين صرح السيد بوعوينة ل "المساء" أن منتوجه مصنع من طرف أكبر المخابر الفرنسية "سيندي لي" التي فتحت فروعا لها بكل دول شمال إفريقيا وهي اليوم تصنع وتختار العطور لكل منطقة حسب الطلب، كما أن تركيب العطور لا يمكن تقليده لأنه يتطلب تقنيات علمية كبيرة ووصفة "سحرية" لا يعرفها إلا المخبر، وهو ما صعب على المقلدين إنتاج عطور المخبر، حتى محاولتهم السابقة كانت فاشلة وتمكنا من تدارك الأمر مع المستهلك ، لكن من جهة أخرى تشتكي المؤسسة من غياب المراقبة على المحال، حيث يستغل عدد من الموزعين الترقيم التسلسلي للمنتوج المرقم بفرنسا لبيعه بأسعار خيالية للمستهلك في الوقت الذي لم نتمكن لغاية اللحظة من وضع خريطة لتسويق المنتوج خارج ولاية برج بوعريريج مكان المصنع ، حيث يتم إرسال الحصة الكبيرة من الإنتاج إلى الجزائر لكننا لم نجده في الكثير من المحال ، وإن وجد فإن سعره خيالي لا يعكس سعره الحقيقي علما أن أغلى منتوج في المصنع لا يزيد سعره عند البيع عن 1200 دج، ووجدناه في المحال بالعاصمة ب 4000 دج فما فوق، وهو ما يؤكد أن مصالح مراقبة الأسعار لا تقوم بعملها وهو ما فتح المجال للتحايل والتقليد. وأمام هذه المشاكل التي يعاني منها أكثر من 200 منتج لمستحضرات التجميل بالجزائر ارتأوا خلال صالون الجمال " جوفنسال " 2008 إلى إنشاء جمعية وطنية للمنتجين للحديث عن انشغالاتهم ورفعها للسلطات المحلية، لكن حسب المنتجين أنفسهم فإن رئيس الجمعية الذي تم اختياره في تلك الفترة تلقى تهديدات كبيرة من الخارج، الأمر الذي دفعه إلى تجميد الجمعية إلى وقت لاحق وهو ما زاد من تخوفات المنتجين . المنتوجات الكهرومنزلية والغذائية في المرتبة الثانية من حيث التقليد توسعت دائرة السوق الموازية لتمس الصناعات الغذائية والتجهيزات الكهرومنزلية على حد سواء، إذ غالبا ما نجد أنفسنا أمام تجهيزات الاستقبال الرقمي لعلامات عالمية مثل "سوني"، "سامسنوغ" أو أجهزة المطبخ مثل الخلاط العادي أو المتعدد الخدمات لعلامات " مولايناكس" أو" براون" بأسعار منخفضة جدا فيتهافت عليها المستهلك الجزائري لكنها لن تشتغل أو تقاوم لأكثر من أسبوع قبل أن تبدأ الأعطاب بالظهور، وهو ما كشفته لنا سيدة أغراها الخلاط من علامة "موليناكس" حيث لم تتوان في شرائه قبل أن تتفاجأ بتوقفه عن العمل بعد الاستعمال الأول، وبعد أن أخذته عند المصلح أكد لها أنه من صنع "تايوان" ولا علاقة له بمنتوجات المؤسسة الأم وهنا أشارت محدثتنا إلى المثل الشعبي "اللي يحب رخصو يخلي نصو " ، في حين وقع العديد من المواطنين في شباك المقلدين في التجهيزات الكهرومنزلية من أجهزة الاستقبال الرقمية والمكيفات الهوائية ، وأمام اتساع هذه التجارة طالبت مديرية الجمارك المصنعين بالاتصال بخلية قمع الغش على مستواها للتنسيق معها وتكوين أعوان الجمارك لتحديد نوعية المنتوجات التي تدخل عبر الميناء، والتي غالبا ما تكون مقلدة، ولدى التطرق للموضوع مع مسؤولي مؤسسة "ايني" للتجهيزات الالكترونية أشاروا إلى أنهم يعملون دوما على وضع لمسات خاصة بهم تخص الشكل خاصة، حيث يتم التعامل مع صانعي القوالب لوضع لمسات خاصة بالمؤسسة وهو ما يتم فعلا ، أما عن قضية التقليد التي تعرضت لها المؤسسة السنة الفارطة فهي تخص استعمال شعارها "رفيقكم الدائم" من طرف أحد منتجي الأجبان، وقد تم إعلامه من طرف المعهد الوطني لحماية الملكية الفكرية قبل أن يعتذر ويسحب الشعار عن منتوجه. ولم يستثن المقلدون الصناعات الغذائية كالمشروبات الغازية ومشتقات الحليب، وحتى البسكويت، حيث انتشرت ورشات سرية هنا وهناك لصناعة مثل هذه المنتوجات في غياب أدنى الشروط الصحية وغالبا ما لا يتم اكتشاف ذلك إلا بعد حدوث تسممات غذائية، وهو ما ذكره لنا السيد سنون مراد مستشار لدى عدد من منتجي العصائر، حيث أكد أن المقاييس التقنية التي يستغلها بعض التجار في صناعة العصائر لا تتماشي وما هو مطلوب من طرف منظمة الصحة العالمية، حيث يستغلون غياب الرقابة للبحث عن الربح السهل، وهو ما يفسر تسويق منتوجاتهم بأسعار جد منخفضة، إذا ما تبعها المنتجون الرسميون سيفلسون لا محالة وهو الأمر الذي جعلهم أمام منافسة غير شريفة. أيام تحسيسية حول انعكاسات التقليد على المنتوج الوطني بسطيف قررت مؤسسة "سيرتاس" لتنظيم المعارض تسليط الضوء على ظاهرة تقليد منتوجات مستحضرات التجميل من خلال تنظيم سلسلة من الصالونات المهنية للجمال بعدد من الولايات الساحلية يشارك فيها أكبر منتجي مستحضرات التجميل بالجزائر، وستنظم على هامش الطبعة الأولى التي ستحتضنها ولاية سطيف خلال الأشهر القليلة القادمة أيام تحسيسة حول انعكاسات التقليد على المنتوج الوطني في مجال مستحضرات التجميل، ويقول مدير المؤسسة السيد جمال رضا إن اللقاء جاء بطلب من المشاركين في الصالون أنفسهم الذين اختاروا أن تحتضن ولاية سطيف الطبعة الأولى بسبب ارتفاع عدد الورشات السرية بها لصناعة مواد التجميل المقلدة، ناهيك عن سوق العلمة المشهور والذي يعتبره المنتجون المحليون أحد أكبر بؤر التقليد و الغش بالجزائر، لذلك سيقترب المنتجون من المستهلك لتحسيسه وإعلامه بسبل تحديد المنتوج المقلد من الأصلي ، كما ستتم دعوة السلطات المحلية ومصالح قمع الغش والتقليد لوزارة التجارة وعدد من مديرياتها بالولايات المجاورة لمناقشة سبل مكافحة الغش بالتنسيق فيما بينهم . كما اعتبر منظم الصالون أن مثل هذه التظاهرات ستساعد بلا شك المنتوج الوطني على إثبات وجوده بالسوق الوطنية، ويكون فرصة للمنتجين العمل بالتنسيق فيما بينهم وتوحيد جهودهم لمحاربة السوق السوداء. أعوان قمع الغش يتبرأون من السوق الموازية يحمل المنتجون المحليون أعوان قمع الغش مسؤولية اتساع رقعة السوق الموازية بكل ما تحمله من أضرار للمنتوج الوطني كون المسؤولية الأولى تقع عليهم من منطلق الصلاحيات المخولة لهم ، لكن بالمقابل أكد لنا بعض المفتشين والمراقبين ممن تحدثنا إليهم أن ظروف العمل والإمكانيات المتاحة لهم لا تساعدهم على القيام بعملهم على أحسن وجه، فمثلا يوجد بالعاصمة 190 عون مراقبة لأكثر من ألف محل تجاري ، وهو الأمر الذي لا يساعدهم على توسيع الرقابة على الأسواق الشعبية، ناهيك عن التهديدات التي تصلهم من بعض تجار السوق الموزاية ويتعرض المراقب للشتم وحتى للضرب إذا ما أبلغ عن الوضع للسلطات المحلية، لذلك يطالب المفتشون بصلاحيات أكثر مع إعادة النظر في أجرتهم الشهرية والإمكانيات المتاحة لهم للقيام بعملهم ، فغالبا ما يتنقل المفتش بإمكانياته الشخصية في الوقت الذي يكتشف عدم تطبيق قرارات الغلق لعدد من التجار المخالفين، كل هذه الأسباب تعيق عمل المفتش أو المراقب الذي يطالب بقوانين ردعية وصلاحيات تدخل لقمع السوق الموازي.