اعتبرت أربعة منظمات دولية، في مداخلة رسمية مكتوبة وموجهة للأمين العام الأممي الذي وجهها بدوره لمجلس حقوق الإنسان كمداخلة مكتوبة تم نشرها في الموقع الرسمي للمجلس يوم 3 سبتمبر الجاري، أن على المغرب التوقف عن محاولاته فرض الأمر الواقع الاستعماري في الصحراء الغربية. وقالت الفيدرالية الدولية للشباب الديمقراطي (عالمية) والجمعية الأمريكية للحقوقيين، ومؤسسة فرنسا الحريات: مؤسسة دانييل ميتران (فرنسية) والحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب (اوروبية)، أن المغرب تجاهل في تقريره امام مجلس حقوق الانسان الحديث عن انتهاكاته لحقوق الانسان في الصحراء الغربية، ويحاول التلاعب بالمصطلحات لاخفاء الحقيقة السياسية للبلد المحتل.
على المملكة المغربية التقرير عن حالة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية قدم تقرير الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل للمغرب المقدم إلى الدورة 21 لمجلس حقوق الانسان توصيات الدول الأعضاء التي قبلتها المملكة المغربية، وأخرى أعلنت عن تنفيذها أو عن اقتراب تنفيذها. لهذا فإن منظماتنا تهنئ المملكة المغربية لإعلانها في مناسبات عديدة "التزامها بمواصلة تعاونها مع منظومة حقوق الانسان في الأممالمتحدة وانفتاحها للحوار والتفاعل البنائين مع جميع آلياتها، لا سيما مجلس حقوق الإنسان وهيئات المعاهدات، والإجراءات الخاصة". وفي إطار روح التعاون والحوار البناء هذه، فإن منظماتنا تود لفت الانتباه إلى عدد من أوجه القصور ومصادر القلق إزاء الوضع القانوني للصحراء الغربية الذي لم يتم التعامل معه بشكل صحيح أو دقيق في التقرير المغربي. الملاحظة الأولى تتعلق بحقيقة أن المملكة المغربية تبدو غير مستعدة للاعتراف بطبيعة الوضع القانوني للصحراء الغربية: كإقليم لا يملك المغرب أي سيادة قانونية عليه. ففي التقرير المقدم من طرف المملكة المغربية، يتم تقديم الصحراء الغربية كجزء من أراضيها المعترف بها، وبشكل أكثر تحديدا عندما يعلن التقرير أن الدستور المغربي الجديد: "نص على الجهوية المتقدمة، ابتداء من الأقاليم الجنوبية، بالسماح للسكان الملحيين بإدارة شؤونهم بأنفسهم، وتوطيد الديمقراطية المحلية، تمهيدا لتنفيذ نظام الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب حلا سياسيا للنزاع في الصحراء ". فمن الناحية القانونية، فإن الصحراء الغربية ليست "الأقاليم الجنوبية" للمغرب ولا زالت مدرجة في قائمة الاممالمتحدة للبلدان غير المتمتعة بالتسيير الذاتي في انتظار إنهاء مسلسل تصفية الاستعمار. وفي الوقت الراهن فإن الصحراء الغربية تجد نفسها تحت الاحتلال المغربي بحكم الأمر الواقع. كما أشار إلى ذلك السيد هانس كوريل، نائب الأمين العام الأممي المكلف بالشؤون القانونية، في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس الأمن سنة 2002 في اشارة الى وضع الصحراء الغربية تحت الإدارة المغربية قائلا: "إن اتفاقيات مدريد لم تنقل السيادة على الإقليم، ولم تمنح أيا من الدول الموقعة صفة الدولة المديرة، وهي الصفة التي لا يمكن لإسبانيا أن تنقلها لغيرها من جانب واحد. إن تحويل السلطة الإدارية على الإقليم إلى المغرب وموريتانيا في عام 1975 لم يؤثر على الوضع الدولي للصحراء الغربية بوصفها إقليما غير متمتع بالتسيير الذاتي. " المستشار القانوني للأمين العام أضاف أيضا في نفس الوثيقة أنه "بالاعتراف بالحقوق غير القابلة للتصرف لشعوب الأقاليم غير المتمتعة بالتسيير الذاتي على الموارد الطبيعية في أراضيها، تكون الجمعية العامة قد أدانت وبشكل دائم كل استغلال أو نهب للموارد الطبيعية وكل الأنشطة الاقتصادية التي تضر مصالح شعوب تلك الأقاليم أو التي تحرمهم من حقوقهم المشروعة في مواردهم الطبيعية. " إن الغاية الاساسية من إنشاء مجلس الأمن في عام 1990 لبعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) هو تنظيم استفتاء تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، هذا الشعب الذي يعتبر المالك الوحيد للسيادة على البلد وعلى موارده الطبيعية. وبالتالي، فإن المملكة المغربية لا تستطيع، من خلال إصلاحاتها الدستورية أو التشريعية الداخلية، فرض أي تغيير جوهري على الشعب الصحراوي فيما يتعلق بوضعية هذا الإقليم غير المتمتع بالتسيير الذاتي بما قد يعوق ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. كما أنها لا تملك الحق في فرض أي نوع من الجهوية أو الحكم الذاتي على هذه المستعمرة، في انتظار اختيار الشعب الصحراوي الوضع السياسي النهائي للإقليم غير المتمتع بالتسيير الذاتي بكل حرية وديمقراطية، وتحت رعاية الأممالمتحدة. وفي هذا الصدد، فإن منظماتنا تجد ضرورة إلزامية للإشارة إلى الفصل الحادي عشر من ميثاق الأممالمتحدة (المادتان 73 و 74)، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي أكد قابلية تطبيق لائحة الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 الصادرة في 14 ديسمبر عام 1960، بعنوان "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة" على الصحراء الغربية.
من جهة أخرى وجب التذكير بأن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان وخلال اعتماده إعلان وبرنامج عمل فيينا، قد أكد في المادة 2 على أنه يعتبر: "إنكار الحق في تقرير المصير انتهاكا لحقوق الإنسان ويؤكد أهمية الإعمال الفعلي لهذا الحق. " ونحن نؤمن إيمانا راسخا بأن على المملكة المغربية أن تعترف صراحة بواقع الوضع القانوني للصحراء الغربية، وأن تشير له بصفته القانونية الفعلية في جميع المراسلات والوثائق المقدمة إلى أي هيئة من هيئات الأممالمتحدة. وعلاوة على ذلك، فينبغي أن يتم تحميل المملكة المغربية المسؤولية عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكبها قواتها أو أجهزتها الأمنية في هذا الإقليم غير المتمتع بالتسيير الذاتي طالما أنه تحت الاحتلال بحكم الأمر الواقع. فمن غير المقبول أن يغض الطرف عن محاولة أي دولة تغيير أو استخدام مصطلحات مغلوطة عند التعامل مع الوضع السياسي والقانوني للأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وخاصة في حالة أرض غير متمتعة بالتسيير الذاتي ولا يمثل شعبها في هذا المجلس (مجلس حقوق الانسان) للدفاع عن حقوقه بنفسه. وهذا يقودنا إلى الإشارة إلى مسألة الوضع المزري للمدافعين عن حقوق الإنسان في بلد يمكن اعتباره آخر مستعمرة في أفريقيا. لقد قبلت المملكة المغربية توصية ل"اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا سيما في الصحراء الغربية، من المضايقة أو القمع أو التوقيف أو الاحتجاز، بوسائل منها منح اعتماد رسمي للجمعيات العاملة في هذا المجال". وأعلنت كذلك أن هذه التوصية هي بالفعل قيد التنفيذ. ومنظماتنا تود أن تشير إلى أن هذا التأكيد هو ببساطة غير صحيح. فهناك 22 مدافعا صحراويا عن حقوق الإنسان، على الأقل، معتقلين منذ عام 2010 ولازالوا ينتظرون المحاكمة في سجن سلا2 وآخرون اعتقلوا في أعقاب الهجمات العنيفة ضد المدنيين الصحراويين في مدينة الداخلة في نوفمبر تشرين الثاني 2011. واعتقل 7 مدافعين صحراويين بارزين لمدة 18 شهرا بدءا من عام 2009، وأطلقوا بسراح مؤقت دون محاكمة. وبشكل عام، هناك الان 68 معتقلا سياسيا صحراويا في السجون المغربية وجميعهم اعتقلوا خلال مظاهرات سلمية أو لأنهم كانوا متهمين بالمشاركة في هذه المظاهرات. وفي جميع الحالات تتهمهم العدالة المغربية بالأعمال الإجرامية وذلك للزج بهم في السجون. وبالإضافة إلى ذلك، رفضت السلطات المغربية بالعيون، عاصمة الصحراء الغربيةالمحتلة، إعطاء التسجيل القانوني للجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية على الرغم من أن لديها قرار من المحكمة للعمل. ولم يسمح لمنظمة حقوقية صحراوية أخرى، هي تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان، تنظيم جمعيتها العامة سنة 2007، ولا زالت تعتبر غير قانونية من قبل المغرب مثلها في ذلك مثل كل الجمعيات الصحراوية التي تدعو للدفاع أو تدافع عن حقوق شعب الصحراء الغربية، ولا سيما الحق في تقرير المصير. وأخيرا، فقد ذكرت المملكة المغربية في التقرير أن "حقوق الإنسان تشكل دعامة الدستور الجديد. فهي تظهر في كل فصوله، بما فيها الديباجة التي هي جزء لا يتجزأ منه. ويكرس الدستور الجديد مفهوم الديمقراطية االتشاركية، عن طريق مشاركة المواطنين التعددية الواسعة في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام". ولكن يبدو أن حتى الدستور الجديد لا يرقى لضمان أي شيء عندما يتعلق الأمر بحالة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، حيث تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان بلا هوادة ضد الصحراويين لمجرد أنهم يدافعون عن حقوقهم الأساسية. إن منظماتنا تعتقد أيضا أنه ما دامت الصحراء الغربية على قائمة اللجنة الأممية الخاصة المعنية بتصفية الاستعمار، فعلى الأممالمتحدة أن تتحمل مسؤوليتها في رصد وحماية حقوق الشعب الصحراوي الإنسانية الأساسية، لأن المملكة المغربية تبدو غير راغبة في الاعتراف بانتهاكات الماضي والحاضر التي ارتكبتها سلطاتها ضد الشعب الصحراوي المستعمر، ويبدو أنها ترغب فعلا في معاقبته. ولذلك، فإن منظماتنا تدعو مجلس حقوق الإنسان وجميع هيئات الأممالمتحدة ذات الصلة لاتخاذ تدابير عاجلة من أجل التحقيق في الانتهاكات المغربية في الصحراء الغربية، وكذلك لمراقبة وحماية حقوق الإنسان في آخر مستعمرة في إفريقيا.